((الواقع الجديد)) الخميس 5 يناير 2017
بقلم/ عدنان باسويد
مفهوم الحرب اليوم متطور وأصبح يواكب كل القفزات في العلم الحديث ليشمل إلى جانب الحرب العسكرية الميدانية، الحرب النفسية؛ وهذه الحرب لاشك انها تعتبر احد المكونات الأساسية لإصدارات الحرب المتتالية التي تقررها قرائح المختصين والمهتمين بالإعلام بشتى صوره، والحرب النفسية لايمكن فهم أبعادها دون معرفة العلاقة بين أجهزة الإعلام التي تتولى عملياً مهمة الدعاية لأهداف ومصالح الحرب (مصالح الدول) في مراحل الإعداد للحرب أو في اثناء الحرب أو حتى وقت السلم، لذا لايمكن فهمها إلاّ كمسميات أفرزتها اختلاف التجارب في بعض الاحيان أو التكامل في أحيان أخرى، ومن هذه المسميات:-
الدعاية، حرب الاعصاب، الحرب المعنوية، حرب الافكار، حرب الإرادات، حرب الإشاعات، الحرب الباردة، غسيل الدماغ، الحرب الايدلوجية..
قد تستخدم هذه الألفاظ بمعنى (الحرب النفسية) وهو المصطلح الأدق والأكثر شهره، وهي نوع من القتال النفسي الذي لايتجه إلاّ إلى العدو، ولا يسعى إلاّ إلى القضاء على إيمانه بذاته وبثقته بنفسه، ويهدف إلى تحطيم الإرادة والعزيمة والقوة عنده، وبث روح الإنهزام والخذلان والإضطراب، ولا تسعى إلى الإقناع وهذا نراه ونسمعه كل يوم في هذه الايام في الإعلام المضاد والمضاد له.
فمثلاً الدعاية ؛ ويقصد بها عملية الإثارة النفسية، بقصد الوصول إلى تلاعب معين في المنطق كما هو حادث اليوم، وهي كما تتجه إلى الصديق تتجه إلى غيره، توظف خارجياً وداخلياً، وقد تتخذ شكل تمثال أو مبنى أو قطعة نقدية أو رسماً أو طابع بريد أو فناً، كما يمكن ان تأخذ شكل الخطاب أو المواعظ أو الاغاني أو الفنون عبر موجات الإذاعة أو صوت التلفاز، وهي ببساطة عملية يجري من خلالها توصيل فكرة أو رأي (ما) لغرض محدد، ولكن الحرب النفسية هدفها أكثر إتساعاً بينما دائرة فاعليتها أكثر تحديداً من الدعاية، وهي التي تسعى إلى القضاء على الإرادة ولكنها لا تتجه إلاّ على الخصم أو العدو.
أيضاً إذا تطرقنا في الحرب الأيدلوجية سنجد انها؛ نوع من أنواع الصراع النفسي الذي أساسه الرغبة في سيادة إيدلوجية على أخرى، وهذا هو السبب الأول لهذه الحرب الدائرة حالياً في بلادنا، إذ أتت هذه المجموعة الميليشاتية من خلف التاريخ ومن الكهوف بالذات، وشنت هذه الحرب الشعواء بأجندات هيستيرية وتحت مبررات هوجاء تستخدم مشروعاً من خارج الحدود ولكن أبناءنا كانوا لها بالمرصاد.
أما غسيل الدماغ؛ هو أسلوب من أساليب التعامل النفسي الذي يدور حول تحطيم الشخصية الفردية، بمعنى (قتل الشخصية المتكاملة) أو مافي حكم المتكاملة إلى حد التزييف العنيف، بحيث يصبح من الممكن التلاعب بتلك الشخصية للوصول بها إلى أن تصير أداة طائعة في يد مثيري الفتن والقلاقل، كهؤلاء الذين أكتسحوا الجنوب بعدتهم وعتادهم واهمين أنهم سيحققون نصراً ، ولكن هيهات هيهات لهذه الحفنة المتخلفة أن تفعل ذلك لأننا جميعاً لها بالمرصاد لنقطع هذه الذراع التي أرادت أن تمدها إلى بلادنا لتوصلنا إلى ذلك العالم المجهول.
وكذلك التحويل العقيدي؛ يعتبر صورة من صور غسيل المخ لكنها تتجه إلى المجتمع الداخلي بقصد خلق الأصدقاء المتعصبين، كما أرادت إيران الصفوية الهرمزية المجوسية مد ذراعها الرابع عن طريق حفنة كهفية نزحت من الكهوف والجبال، ناقلة معها حقداً عقائدياً دفيناً آملة فرض أجندتها البغيضة هذه في أرض الحضارة والتاريخ.. أرض الإباء والعزة والكرامة (جنوبنا الحر) المسلم المسالم، ولكن هذا المشروع الصفوي المتخلف رُفض من أول وهلة، وهاهم أبطالنا في الجنوب سطروا ملاحم بطولية ضد جحافل البغي والعدوان لبتر هذا الذراع الممتد وإستئصاله وإجتثاثه من هذه الأرض الطاهرة النقية، وعهداً أنهم إلى جحورهم عائدون.
أما التسمم السياسي؛ فيقصد به زرع قيم جديدة وأفكار معينة من خلال الخديعة والكذب، بحيث تؤدي إلى تصور معين للموقف يختلف عن حقيقته بما يترتب عليه عند إكتشافه تلك الحقيقة نوع من الصدمة النفسية، مما يؤدي إلى شلل نفسي، ومن ثم إلى عدم القدرة على عملية المواجهة، وهو بهذا المعنى قد يكون مقدمة لمعركة أو يكون لاحقاً لها، وهذا ماحدث من خلال إدعاءات (مسيلمتهم) عندما كان يتبجح لقضية هذا الزمان (الجنوب) ويغازل الجنوبيين بهذا المنطق، وكنا نتناغم مع دقات طبوله حتى إنقشعت الغمامة وبان كل ماكان زائفاً، لأن مبرر الفساد والفاسدين والجريمة والقضية الجنوبية كانت مبررات وتوهمات كذب وخبث ومكر واضح للعيان، فإنكشف الغطاء من على وجهه، وعن طريق (عاصفة الحزم وإعادة الأمل) التي هزت كل عروشه وهدمت البناء الكاذب المأمول تحقيقه.. لأن كل مايُبنى على باطل فهو باطل.
وأيضاً حرب المعلومات؛ هو عبارة عن إصطلاح برز في العقدين الأخيرين، أساسه تخزين المادة الإعلامية، وإطلاقها في لحظة معينة بحيث تؤدي إلى فقد الثقة في الأخبار.
ونلاحظ من كل ماذُكر مع تعدد الأشكال والأساليب يبدو ان التعامل النفسي أضحى عنصراً من عناصر الحركة، وأداة من أدوات السيطرة على إرادة الصديق أو الخصم قبل إحتوائه وتحطيمه.