“الواقع الجديد” السبت 20 فبراير 2021 / متابعات
عشية انتهاء المهلة، التي أعلنت إيران أنها ستوقف بعدها العمل بالبروتوكول الإضافي، سارعت واشنطن إلى الإعلان عن ثلاث خطوات تراجعية، بالشكل، تجاه طهران، معتقدة أنها ستكون كافية لإقناع القيادة الإيرانية بعدم مواصلة إجراءات وقف التزاماتها بالاتفاق، والتجاوب مع الدعوة الأميركية للدخول في مفاوضات مع مجموعة الخمسة زائدا واحدا.
. وهذه الخطوات هي:
اولاً، سحب الطلب الذي قدّمته إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى الأمم المتحدة لإعادة فرض عقوبات دولية على إيران.
ثانياً، إعلان المتحدث باسم الخارجية الأميركية نيد برايس أنّ واشنطن ستقبل دعوة أوروبية للمشاركة في اجتماع الدول 5+1 وإيران لبحث برنامجها النووي.
ثالثاً، رفع القيود المفروضة على تنقلات الدبلوماسيين الإيرانيين في نيويورك.
غير أنّ هذه الخطوات الأميركية، على الرغم من أنها تمثل إشارة إيجابية بالشكل بأنّ إدارة بايدن تبدي مرونة للعودة إلى الاتفاق، لكنها في حقيقتها خطوات ناقصة لا تلبّي مطلب إيران الجوهري الأساسي وهو رفع كلّ العقوبات التي فُرضت عليها بعد انسحاب إدارة ترامب من الاتفاق.
فالعودة إلى الاتفاق من وجهة نظر طهران يجب أن تكون غير مشروطة وأن تقترن برفع كامل للعقوبات، وعندها فإنّ طهران سوف تعود إلى الالتزام الكامل بالاتفاق.. وهذا الأمر لا يحتاج إلى تفاوض.
من هنا يبدو أنّ استعداد واشنطن لتلبية الدعوة لاجتماع الخمسة زائداً واحداً مع إيران للبحث في سبل العودة إلى المسار الدبلوماسي، يحمل في طياته مناورة ومحاولة تذاكٍ من قبل إدارة بايدن لاستدراج طهران إلى فخ التفاوض حول الاتفاق لإدخال تعديلات عليه، تحت سيف استمرار العقوبات.. وهو أمر لا ينطلي على القيادة الإيرانية، التي أعلنت انّ الأمر بسيط وهو لا يتطلب سوى عودة واشنطن غير المشروطة إلى الالتزام العملي بالاتفاق ورفع العقوبات، وأنّ إيران تريد أن تلمس ذلك فعلياً على أرض الواقع وليس فقط بالتصريحات، أيّ تريد أفعالاً لا أقوالاً فقط، لأنّ المؤمن لا يُلدَغ من الجحر مرتين.. بعد التجربة المُرة مع واشنطن وحلفائها الأوروبيين الذين تنصّلوا من التزاماتهم بالاتفاق الذي بقيت إيران تنفذه وحيدة على مدى سنوات.
أما ان تُقدم واشنطن على التراجع عن بعض الخطوات الشكلية، فإنها لا تعدو مناورة خبيثة هدفها خلق مناخ دولي يضغط على طهران لقبول وقف أيّ إجراءات جديدة، والموافقة على تلبية الدعوة لاجتماع الخمسة زائداً واحداً.. بحيث تكون المحصلة، تراجع إيران وقبولها العودة إلى طاولة المفاوضات، مع استمرار العقوبات، أيّ التفاوض من جديد على سبل العودة إلى تنفيذ الاتفاق، فيما المطلوب هو عودة واشنطن إلى الالتزام بالاتفاق الذي انسحبت منه.. وليس العودة إلى التفاوض من جديد.. الأمر كان قد شكل أحد الأهداف التي أراد ترامب تحقيقها عندما انسحب من الاتفاق، وهو إجبار طهران على التفاوض لتعديل الاتفاق، واستخدم سلاح تشديد الحصار على إيران لتحقيق مطلبه المذكور، غير أنّ إيران رفضت ذلك بشدة وتحمّلت وصبرت ونجحت على مدى أربع سنوات في احتواء الآثار السلبية للقرار الأميركي الذي التزمت الدول الغربية به عبر انسحاب شركاتها من إيران ووقف التعامل الاقتصادي معها…
اليوم تحاول إدارة بايدن مواصلة هذا النهج الترامبي لكن بأسلوب الدبلوماسية التي تنصب الفخاخ لإيران لدفعها إلى التراجع أمام واشنطن.. تماماً كما تفعل في اليمن من خلال الدعوة لوقف الحرب المصحوبة بتجميد صفقات السلاح للسعودية، مقابل وقف «أنصار الله» والجيش اليمني عملياتهم العسكرية لتحرير محافظة مأرب، والجلوس إلى طاولة المفاوضات، فيما يستمرّ الحصار الخانق على اليمن، والعدوان على الجبهات الأخرى… هو ما رفضته حركة «أنصار الله»…
والردّ الإيراني على المناورة الأميركية المكشوفة والمفضوحة، جاء سريعاً وحازماً، لا يقبل المساومة، على لسان مساعد رئيس البرلمان الإيراني أمير عبد اللهيان، الذي شدّد على انّ طهران لن تنتظر الاجتماعات والتقاط الصور والوعود الفارغة للبيت الأبيض والترويكا الأوروبية، وأنها ستوقف تنفيذ العمل بالبروتوكول الإضافي إذا لم تنفذ بقية الأطراف في الاتفاق التزاماتها.
هذا يعني أنّ الكرة لا تزال في ملعب الأطراف التي تنصّلت من تعهّداتها، لأنّ إيران أكدت أن لا جدوى من الكلام والوعود التي نقضت، وأنها تريد أفعالاً من أطراف الاتفاق النووي، لأنّ الردّ سيكون متناسباً مع الإجراءات التي تتخذها الأطراف الأخرى.. وليس هناك في الأفق ما يؤشر إلى أنّ إدارة بايدن لديها من خيارات سوى الاستجابة لمطالب إيران المحقة، إذا كانت تريد الحفاظ على الاتفاق وعدم انهياره…