“الواقع الجديد” الأربعاء 3 فبراير 2021 / العرب اللندنية
تُعقّد ظاهرة الفساد “المزدهرة” في بيئة الحرب الدائرة في اليمن الجهود الهادفة إلى التخفيف من الأزمة الإنسانية الحادّة على الرغم مما تلقاه تلك الجهود من دعم جهات مانحة بذلت المليارات لمساعدة اليمنيين على مواجهة أوضاعهم الصعبة.
ففي الوقت الذي يعيش فيه اليمن أزمة إنسانية مأساوية، يترسخ اقتصاد الحرب والثراء غير المشروع في البلد الأفقر عربيا، ما أدى إلى ضياع مليارات الدولارات كانت كفيلة بالتخفيف من الوضع الإنساني المتفاقم.
وأودت الحرب المستمرة منذ أكثر من ستّ سنوات بحياة ما لا يقل عن 233 ألف شخص، وبات 80 في المئة من سكان اليمن يعتمدون على المساعدات للبقاء أحياء، في أسوأ أزمة إنسانية في العالم وفق توصيف الأمم المتحدة.
ولا يقتصر الفساد وهدر أموال المساعدات على أحد طرفي الصراع؛ جماعة الحوثي المتمرّدة والسلطة “الشرعية” بقيادة الرئيس عبدربه منصور هادي، لكنّه يشملهما معا بحسب ما ورد في تقرير صدر الأسبوع الماضي عن فريق مراقبي العقوبات التابع لمجلس الأمن الدولي متّهما إياهما بغسل أموال واستغلال مبالغ نقدية كبيرة بطريقة غير قانونية.
وقال التقرير إن المملكة العربية السعودية أودعت ملياري دولار لدى البنك المركزي التابع للحكومة اليمنية مطلع 2018 ضمن برنامج للتنمية وإعادة الإعمار كخط ائتمان لشراء سلع أساسية لتعزيز الأمن الغذائي ولتحقيق استقرار أسعار تلك السلع محليا، لكن البنك خالف قواعد تغيير العملات وتلاعب في سوق العملة وغسل جزءا كبيرا من الوديعة السعودية باستخدام مخطط معقد درّ على تجار مكاسب بلغت قيمتها 423 مليون دولار.
ويعاني الريال اليمني من تدهور حاد حتى وصلت قيمة الدولار الأميركي الواحد إلى ما يعادل أكثر من 850 ريالا، بعد أن كان قبل الحرب يساوي 215 ريالا.
وانجرّ عن تهاوي قيمة العملة اليمنية ارتفاع شديد في أسعار المواد الأساسية أحدث حالة من الغضب في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة المعترف بها دوليا قد عبّرت عنها احتجاجات محدودة في بعض المدن.
وتضع “الشرعية” اليمنية في مقدّمة أهدافها المعلنة مواجهة المتمرّدين الحوثيين ودفع جهود تحرير المناطق التي لا يسيطرون عليها، لكن تحقيق ذلك لا يتقدّم بشكل ملموس، بينما ينبّه سياسيون وقادة رأي يمنيون إلى أن هذا الهدف المشروع لا يجب أن يكون ذريعة للقفز على واجبات أساسية ومهامّ عاجلة يتعين على الحكومة الممثلة لـ”الشرعية” الاضطلاع بها، وتتمثّل في معالجة الأسباب التي أدّت إلى تهاوي سعر العملة المحلّية وتدارك ما أصاب الخدمات العامّة من تراجع شديد بلغ حدّ الانهيار التام في بعض المناطق وكذلك تحسين مستوى الأمن والعمل على بسط الاستقرار، وهي مهمّة أساسية في تنفيذ باقي المهام.
وبالنسبة إلى هؤلاء فإن تهاوي قيمة الريال اليمني لم يحدث فقط بسبب ظروف الحرب، ولكنّه جاء أيضا نتيجة تقصير حكومي وسوء إدارة للشأن المالي والاقتصادي.
وأفاد التقرير الأممي بأن الحوثيين حوّلوا مبالغ تقدر بـ1.8 مليار دولار على الأقل في 2019 عن الغرض المخصص لها واستخدموا قسما كبيرا منها لتمويل مجهودهم الحربي. وأضاف أنّ هؤلاء يؤدون وظائف تقع حصريا ضمن سلطة الحكومة اليمنية، إذ أنهم يجمعون ضرائب وإيرادات عمومية أخرى ويستخدمون جزءا كبيرا منها في تمويل الحرب.
ومنذ سنوات يعيش أكثر من مليون موظف حكومي في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين بلا رواتب رغم قدرة الجماعة على تسديدها، ما أدى إلى اتساع رقعة الفقر المدقع وتدهور الوضع المعيشي للسكّان.
وقوبل التقرير الأممي باعتراض من قبل الحكومة وباستغراب من قبل جماعة الحوثي، حيث وصفت إدارة البنك المركزي التابع للحكومة الاستنتاجات التي توصل إليها الفريق الأممي بأنها ادعاءات مضللة.
وبدورها تجاهلت جماعة الحوثي التقرير باستثناء عضو المجلس السياسي الأعلى للجماعة محمد علي الحوثي الذي علّق عليه في تغريدة مقتضبة عبر حسابه على تويتر قائلا “تقرير الخبراء كثير الغرائب”.
وتعليقا على التقرير الأممي وترسّخ اقتصاد الحرب في اليمن يقول الباحث الاقتصادي اليمني عبدالواحد العوبلي إنّ “الإيرادات السنوية التي يحصل عليها الحوثيون تبلغ أكثر من 1.8 مليار دولار”. ويضيف متحدّثا لوكالة الأناضول أن الحوثيين يستولون عمليا على إيرادات الضرائب والجمارك والرسوم التي كانت تشكل حوالي 30 في المئة من ميزانية الحكومة اليمنية حسب أرقام 2014.
ويوضح العوبلي أنّ “الحوثيين يحصلون على مبالغ أكبر مما ذكر التقرير الأممي، إلّا أن انعدام الشفافية والإرهاب الذي تمارسه الميليشيا الحوثية على الصحافيين يعيقان رصد وتوثيق هذا النوع من المخالفات”.
ويعتبر الباحث أنّ “التقرير الأممي تضمن معلومات خطيرة للغاية، وسيؤثر في قدرة الحكومة اليمنية على استعادة الثقة بمؤسساتها المالية، لأن الثقة جزء أصيل من رأس مال أيّ بنك”، لافتا إلى أنّ “توثيق الفساد في البنك المركزي اليمني من قبل
لجنة أممية سيصعّب إجراءات استعادة الثقة ويؤخر استجابة المانحين للحكومة، أو استجابة السعودية مثلا لطلبات الحكومة لدعمها بوديعة جديدة”.
ومن جهتها تقول الصحافية اليمنية المتخصصة بالشأن الإنساني عفاف الأبارة إن اقتصاد الحرب ترسّخ منذ بدء الصراع في البلاد، ما أدى إلى ثراء كبير وهائل لدى العديد من الشخصيات سواء التي تتبع الحكومة أو من الحوثيين. وتوضّح أنّ “هذا الثراء غير المشروع والفساد المالي وانتشار عمليات الاستغلال والمتاجرة بالمساعدات الدولية، كلها عوامل أدت إلى إنهاك اليمنيين الذين يعيشون المأساة، وبات الكثير منهم على حافة المجاعة”.
وتلفت الأبارة إلى أنّه “في الوقت الذي يعيش فيه أكثر من مليون موظف بلا رواتب، هناك إهدار كبير للمال في سبيل المجهود الحربي دون النظر إلى آلام وأوجاع الموظفين الذين باتوا يعيشون المأساة والفقر”.
ولا ترى الصحافية حلا “لهذه المأساة التي صنعها تجار الحروب سوى إنهاء هذا الصراع، وهذا لن يتم طالما هناك تجار كبار يستفيدون من استمرار النزاع لكونهم يجنون الملايين من الدولارات على حساب المواطن البسيط الذي يواجه أسوأ أزمة إنسانية في العالم”