الأحد , 22 ديسمبر 2024
208_1584381854207.jpg

واشنطن طهران: من سيشعل الشرارة؟

“الواقع الجديد” الثلاثاء 29 ديسمبر 2020 / مقال للكاتب والسياسي اللبناني / محمد قواص

قد توهن التطورات الميدانية الدراماتيكية القدرة على استشراف مايمكن أن تحمله الساعات المقبلة من مفاجآت داخل ملف الأزمة مع إيران. التحركات العسكرية باتت كثيفة علنية، سواء من قبل إيران والميليشيات التابعة لها، أو من قبل الولايات المتحدة وإسرائيل. كما أن إمكانية حصول حادث، مقصود أو غير مقصود، قد تفجر الوضع على نحو قد يصعب ضبطه ووضع سقف لمفاعيله.

ليس صدفة أن تتحرك الميليشيات التابعة لإيران في العراق لتنفيذ قصف صاروخي مكثف على مقر السفارة الأميركية في بغداد. تحركت حكومة مصطفى الكاظمي بقوة، وعلنا، في محاولة للإيحاء، للأميركيين، أولا، بأنها مسيطرة على الأمور ولن تسمح بانفلاتها. حتى ميليشيا “عصائب أهل الحق”، التي تحركت غاضبة على نطاق واسع مهددة رئيس الحكومة بعد اعتقال أجهزته الأمنية أحد كوادرها، عادت وتبرأت من أي تحريض، نافية ضلوعها في هجوم السفارة. وحتى هادي العامري ونوري المالكي المقربان من طهران توسطتا لدى الكاظمي لتهدئة الموقف.

قبل وفي موازاة هجوم بغداد، كانت الولايات المتحدة قد أرسلت قاذفاتها الاستراتيجة B52 إلى المنطقة. القاذفات الشهيرة تملك قدرات تدميرية دقيقة وهائلة تستطيع العمل من خارج نطاق قدرات البطاريات الصاروخية الإيرانية المضادة للطائرات. أرسلت واشنطن كذلك حاملة الطائرات العملاق USS Nimitz ، وهي أكبر حاملة طائرات في العالم. أرسل البنتاغون أيضا الغواصة الاستراتيجة USS Georgia حاملة  أكثر من 150 صاروخ كروز. وفي الأيام الأخيرة تسربت معلومات عن عبور غواصة إسرائيلية (طراز دولفين، قادرة على إطلاق صواريخ كروز) قناة السويس باتجاه مياه الخليج، فيما تحدث مصدر إسرائيلي عن أن “الغواصات الإسرائيلية تبحر وبهدوء إلى أماكن مختلفة بعيدة وقريبة”.

إيران نفسها تروج لإمكانات الصدام. تستعرض طهران قدراتها على إطلاق النفير العام لدى قواتها، كما لدى ميليشياتها التابعة والحليفة في العراق وسوريا ولبنان واليمن، مهددة بتحرك جماعي واسع الأطراف، إذا ما تعرضت مواقعها في إيران لأي هجمات محتملة.

والحال أن غبارا كثيرا قد أثير في واشنطن قبل أسابيع حول خطط لإدارة دونالد ترامب للقيام بضربة عسكرية ضد إيران قبل وصول الرئيس الجديد جو بايدن إلى البيت. في ذلك الضجيج ماقيل إنه سعي من قبل الإدارة الحالية لفرض أمر واقع لا يمكن للرئيس الجديد إلا أخذه بالاعتبار، مضافا إليه إرث ترامب في التعامل مع إيران منذ قراره عام 2018 بسحب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي مع إيران.

والحقيقة أن القصف الذي تعرضت له السفارة الأميركية في بغداد، في 20 من الشهر الجاري، كان كافيا لإعطاء ترامب الذريعة للقيام بالرد الذي بتوعد به. لكنه مع ذلك لم يفعل (ربما بسبب تحرك الكاظمي في بغداد)، وراح يغرد متوعدا بالرد المؤلم إذا ما أسقطت تلك الهجمات ضحايا في صفوف القوات الأميركية.

توحي إدارة ترامب بأنها جادة في الإعداد لرد عسكري ضد إيران أو مصالحها في المنطقة. حضر الاجتماع الأمني في البيت الأبيض، إثر استهداف السفارة في بغداد، كبار قادة أجهزة الاستخبارات، إضافة لوزير الخارجية مايك بومبيو ومستشار الأمن القومي روبرت اوبراين والقائم بأعمال وزير الدفاع الأميركي كريستوفر ميلر. ومع ذلك فإن ما تم تسريبه يقول إن القيادة العسكرية قدمت للرئيس الأميركي عدة خيارات للرد لكنها “خيارات لا تؤدي إلى تصعيد”.

ماذا يعني ذلك؟

في ما هو معلن فإن ترامب، وإن كان يوحي بعزمه تسديد ضربة لإيران، فإن تلك الضربة، سواء بناء على هواه أو على خيارات البنتاغون والقوى العسكرية، ستكون وفق إيقاعات منضبطة وتحت سقف محسوب. وفي ما هو معلن أيضا، فإن مسارعة وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف لنفي أي علاقة لإيران بالهجوم ضد السفارة الأميركية وتبرؤ “العصائب”  وحزب الله العراقي لاحقا من الأمر، يضاف إلى ما روجت له وسائل الإعلام الإيرانية من أن زيارة قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، إسماعيل قآني، إلى العراق لا علاقة لها بقصف سفارة واشنطن هناك، لا بل أن من مهماته ضبط هذه الميليشيات وردع تحركها غير المنضبط.

على أية حال فإن خطط واشنطن العسكرية التي “لا تؤدي إلى تصعيد”، حسب روايات البنتاغون، ستؤدي حتما إلى تصعيد، إذا ما قوبلت الضربات العسكرية الأميركية برد إيراني غير محسوب. والقصد من رواية البنتاغون هو إبلاغ طهران بأن مستقبل حجم الخطط الأميركية العسكرية ضد إيران يتعلق برد فعل إيران نفسها، وأن التحرك العسكريتاري الأميركي الإسرائيلي في الخليج، والذي يدجج المنطقة بترسانة حديثة كثيفة رادعة، جاهز لرفع سقوف الضربات ضد إيران.

يتوعد ترامب بأن الرد الأميركي المزلزل قادم إذا ما اسقطت الهجمات ذات النكهة الإيرانية ضحايا في صفوف قواته. وفي الوعيد استدراج مفخخ لإيران لارتكاب المحظور إذا ما استهوى طهران صدام مع واشنطن بدا أن ترامب يتمناه.

تعوّل طهران على بايدن وعلى المفاوضات معه، لكنها تدرك أن أي ضربة أميركية ستأتي بها إلى المفاوضات منهكة، وأنها لو ردت فقد تختفي طاولة المفاوضات برمتها. ربما فهمت إيران فحوى الرسالة الأميركية جيدا وهي تراقب انتفاخ الترسانات الحديثة الرهيبة حولها. نفى ظريف، ونأى قآني بنفسه، وتبرأت عصائب أهل الحق وسحبت ميليشياتها من شوارع بغداد، وتركت الكاظمي يجول في عاصمة العراق.

يتوعد مصدر إيراني قائلا إنه إذا ما وصلت غواصة إسرائيلية إلى الخليج، فإن بلاده ستعتبر ذلك “عملا عدائيا ومن حقنا الثأر حينئذ”. الانفجار يحتاج إلى شرارة والكل يلوح بها.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.