“الواقع الجديد” الخميس 24 ديسمبر / خاص
كشف معهد أبحاث دولي عن قيام السلطات التركية بالتمويه وإخفاء الحقائق بخصوص أرقام الإصابات الحقيقية بفيروس كورونا من أجل تلبية المطالب السياسية والاقتصادية.
وقال معهد مونتاني للبحوث والدراسات، ومقره في باريس، في ورقة كتبها الباحثان التركيان، سولي اوزيل و إيفرين بالتا، إن الحكومة التركية “نفذت منذ بداية الوضع الوبائي عمليات عديدة تهدف إلى التمويه ورسم صورة من النجاحات في مواجهة الفيروس، من خلال تحوير البيانات الإحصائية.”
وأضاف:”خلال الموجة الأولى تم احتساب المرضى الذين ثبتت إصابتهم فقط، فيما تم استبعاد المرضى الذين كانت نتائج فحوصاتهم سلبية ولكن تم تشخيص إصابتهم بالفيروس عن طريق الأشعة السينية والفحوصات السريرية. مع انتشار الوباء، وعلى الرغم من زيادة قدرة الاختبار، فشلت السلطات في تنفيذ برنامج اختبار منهجي، وغيرت بروتوكولات الاختبار عدة مرات.”
وتابع: “خلال الصيف، كشفت التسريبات من المستشفيات أن البروتوكولات قد تغيرت ولم يعد بإمكان الأطباء اختبار حالات الاتصال بدون أعراض لمرضى الكورونا، وأصبح من المستحيل تقريبًا على المواطن العادي الخضوع للاختبار دون إظهار أعراض كبيرة”.
وسجلت تركيا حوالي مليوني إصابة وأكثر من 17 ألف حالة وفاة جراء الإصابة بالفيروس، وفقا لجامعة جونز هوبكينز.
وأشار التقرير البحثي إلى أن “الاستراتيجية الأكثر إثارة للجدل التي ابتكرتها الحكومة هي تغيير مصطلحات البيانات المنشورة. فمنذ 29 يوليو، تخلت التقارير اليومية التي تنشرها وزارة الصحة عن الوضع الوبائي في البلاد عن مصطلح “الحالات” واستبدله بمصطلح “المرضى”.
وكان وزير الصحة التركي فخر الدين قوجة قد اعترف في 30 سبتمبر الماضي بأن الأرقام الرسمية الصادرة منذ لم تشمل الأشخاص الذين ثبتت إصابتهم بالفيروس لكن لم تظهر عليهم الأعراض. وأوضح قوجة أن جميع الأرقام المقدمة منذ ذلك التاريخ تتحدث عن “مرضى” وليس “حالات”، مؤكداً أن الحكومة التركية غيرت إحصاءها بالكامل دون إبلاغ الرأي العام.
ا
الصحة العالمية في الفخ
وتكشف الورقة البحثية عن وقوع منظمة الصحة العالمية في فخ الإحصاءات التركية غير الحقيقية، ”فلم تذكر الأرقام الصادرة عن منظمة الصحة العالمية حقيقة أن الحالات المسجلة في تركيا لا تشمل من لم تظهر عليهم الأعراض، حتى بعد أن أعلنت تركيا رسميًا ذلك. كما لم تضف المنظمة أي ملاحظة أو تحذير.”
ويتابع التقرير البحثي:” ولعدة أشهر كان لدى تركيا رسميًا حالات أقل من النمسا والمجر وصربيا – ثلاث دول أقل كثافة سكانية من تركيا. . وبدلاً من ذلك، فيما هنأت منظمة الصحة العالمية تركيا على جهودها في مكافحة كوفيد ، وسلطت الضوء على الزيادة الكبيرة في عدد الفحوصات التي تم إجراؤها وسياسة عزل جميع حالات الإصابة، ليعلن أخيراً مكتب منظمة الصحة العالمية في تركيا أن المنظمة لم تكن على علم بأن الأرقام التي قدمتها تركيا تشمل المرضى فقط ، وليس الحالات”.
مشيراً إلى أن “هذه الأرقام التي تحصي المرضى فقط، وليس الحالات الإيجابية، لم تؤد إلى تنفيذ إجراءات جادة على الرغم من التحذيرات العديدة من المهنيين الصحيين والنقابة الطبية التركية، والتي اعتبرتها الحكومة محاولات لزعزعة استقرار سياستها لمحاربة الوباء .حتى أن زعيم أحد أحزاب الأغلبية الحاكمة، دولت بهجلي، اتهم الجمعية الطبية التركية بنشر معلومات كاذبة وإثارة الذعر، ودعا إلى إغلاقها إداريًا ، الأمر الذي أدى إلى انخفاض الروح المعنوية بين المهنيين الصحيين”.
وفي أوائل أغسطس قالت الجميعة الطبية إن بياناتها أظهرت أن العدد الحقيقي للحالات المؤكدة لكورونا في البلاد أعلى من الأرقام الرسمية، واتهمت الحكومة بعدم الشفافية. وتقول الجمعيات الطبية إن الحكومة مازالت تحاصر المعلومات حول الوباء، ولم تصدر السلطات بانتظام أعداد حالات الوفاة والوفيات موزعة حسب المدينة.
وكانت السلطات التركية قد رفعت شكوى جنائية في أبريل الماضي ضد الخبير في الصحة العامة في جامعة أولوداغ في شمال غرب البلاد، كايهان بالا،بعد تشكيكه في أرقام الوفيات التي قدمتها الحكومة، بتهم تتعلق بـ “تضليل الناس” و”إثارة الذعر”.
ووفقاً لتقرير نشرته مجلة “ساينس ماغ” في 25 سبتمبر الماضي فإن السلطات قد شرعت منذ شهر مارس 2020 في تحقيقات ضد الأطباء الذين يشككون في الأرقام الرسمية، بمن فيهم قادة الفروع المحلية للجمعية الطبية التركية.
ا
الشعبوية السياسية
ويصف التقرير البحثي لمعهد مونتاني التعامل الرسمي التركي مع الوباء بأنه “مثال واضح على حقبة ما بعد الحقيقة التي أصبحت فيها السياسة جزءًا لا يتجزأ، حيث لم يعد للواقع صلة بالحقائق ويتم تحويله من أجل تلبية المطالب السياسية و الاقتصادية”.
مشيراً إلى أنه مع “انحسار الذعر والمفاجأة في الموجة الأولى من الوباء وتنامي الثقة، تم تهميش الحقائق وآراء الخبراء بشكل متزايد ، حتى أن وجهات نظرهم تعتبر تهديدًا للمصلحة الوطنية. اختفت تماما مبادئ الحكم السليم، مثل الشفافية والمساءلة والمشاركة أو الثقة. حيث كان المواطنون مطالبين بالتصرف، في المقابل لم تكن لديهم أي فكرة عن خطورة الموقف”.
من جانبه يرى رامي التلغ الباحث في العلوم السياسية بجامعة “باريس إست”، في حديث لموقع “سكاي نيوز عربية” أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ومن ورائه نظام حزب العدالة والتنمية “قد دخل في طور من الشعوبية السياسية الطاغية منذ العام 2016، والمحاولة الإنقلابية التي زعزعت البلاد، حيث تحولت تركيا إلى دولة شمولية على كافة الأصعدة.”
متابعاً:” وتتجلى هذه الشعبوية والشمولية في الزج بالمعارضة في السجون والحرب ضد الأقليات العرقية ومحاولة فرض نمط سلطوي وتكميم أفواه الصحافة والسيطرة على المؤسسات الأمنية والعسكرية وكذلك في التحكم في تدفق المعلومات وحرية التعبير، حيث أصبحت أغلب المؤشرات والبيانات والإحصاءات الصادرة عن الدولة التركية في أغلب القطاعات مشكوك في صحتها، لأنها خاضعة للتلاعب من طرف السلطة السياسية في إطار سياسات دعائية واضحة.