“الواقع الجديد” السبت 19 ديسمبر 2020 /مقال للكاتب والمحلل السياسي/ رستم محمود
طوال الأسبوع الماضي، تصاعدت مسألة إرسال تركيا لكمية كبيرة من الأسلحة الخاصة إلى الصومال، التي يُخشى أن تصل لتشكيل قوات “هرمعد” العسكرية، الموالية للرئيس محمد عبد الله محمد.
وتخشى القوى السياسية الصومالية من إمكانية استخدام تلك القوات والأسلحة للتأثير في الانتخابات المزمع إجرائها، والتي تتعثر بسبب وجود خلافات جوهرية بشأنها، بين السلطة المركزية والسلطات الفيدرالية الجهوية، حيث تسيطر قوى المعارضة.
كانت قوى من المعارضة الصومالية قد وجهت رسالة مباشرة إلى السفير التركي في مقديشو، للحث على عدم إرسال تلك الشحنات العسكرية، التي تتضمن آلاف البنادق ومئات الآلاف من الطلقات النارية. يضاف ذلك إلى أسلحة تكتيكية كانت تركيا قد نقلتها إلى ترسانة الصومال العسكرية.
في هذا العام على سبيل المثال تبرعت تركيا بأثني عشر مركبة قتالية مقاومة للألغام ومحمية من الكمين من طراز BMC إلى الصومال، كما يستخدم الجيش الصومالي بنادق الجيش التركي MPT-76 الهجومية، التي تبيعاه تركيا للصومال بشكل مستمر.
معلومات الشحنة العسكرية التي تود تركيا إرسالها للصومال، تقاطعت مع ما يقبلها من معطيات جمعتها ونشرتها صُحف المعارضة التركية، التي قالت بأن الأجهزة الاستخباراتية والفصائل المسلحة السورية الموالية لتركيا، تعتزم إرسال مجموعات من المرتزقة السوريين الموالين لتركيا إلى الصومال.
صحيفة الزمان المعارضة نقلت عبر موقعها الإلكتروني معلومات عن اجتماعات تنسيقية تجريها تلك الفصائل في ريف مدينة عفرين السورية المحتلة، تخضع فيها مئات الشبان السوريين لدورة تدريبية لإرسالهم إلى الصومال، ليكونوا عوناً للرئيس الصومالي، المتصارع مع قوى المعارضة بشأن الانتخابات القادمة، والذي تريد تركيا عن طريقه الهيمنة السياسية والأمنية على الصومال.
الاندفاع التركي الأخير نحو الصومال يأتي عقب قرار وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) في الحادي عشر من شهر ديسمبر سحب قرابة 700 جندي من القوات الأميركية من الصومال، التي كانت تقوم بمهام تدريبية لفرق من القوات الخاصة الصومالية، بالذات التشكيلات التي تقوم بمحاربة الإرهاب.
قرار السحب جاء بعد أمر من الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب، الذي طلب الانتهاء من المهمة قبل الخامس عشر من يناير المقبل.
الانسحاب الأميركي زاد التطلعات التركية نحو الصومال، حسما نقلت صحيفة النيويورك تايمز، التي نشرت تقريراً تفصيلياً عن الأحوال العامة في البلاد، كتبته ديكلان واللش، أجرت فيه مقابلات مع أعضاء سابقين في البرلمان الصومالي، مثل أيوب إسماعيل يوسف، والعقيد أحمد عبد الله الشيخ، الذي كان قائداً لـ”وحدة دناب” العسكرية التي دربتها القوات الأميركية، طوال الأعوام 2016-2019. حيث رأى العقيد الشيخ في الانسحاب الأميركي إفساح للمجال أمام كل من قطر وتركيا، اللتان تخططان على الأرض لملأ الفراغ، بالذات من حيث تقديم قطر للتغطية المالية، وتخطيط تركيا لتدريب عشرة آلاف جندي صومالي، وتحويلهم إلى قوة لها.
لكن الشيخ أكد للصحيفة الأميركية بأن ذلك لا يعني بأن “قوات دناب” سوف تتحلل، بل سوف تدخل طوراً جديداً، تعتمد فيه على قواها الذاتية فحسب.
هذا التدريب العسكري الذي من المتوقع أن تمنحها تركيا لوحدات من الجيش الصومالي، سيكون ذو بعد سياسي، إذ يتم إرسال الكتائب الصومالية بشكل منتظم إلى تركيا للخضوع لبرامج تدريب النخبة كما تقول المعلومات الإعلامية، بما في ذلك العمليات الخاصة والمغاوير ومكافحة الإرهاب وحرب المدن وأنشطة مكافحة العبوات الناسفة، حسبما صرحت وزارة الدفاع التركية، إذ تجري بعض هذه الدورات في قيادة مكافحة الإرهاب وتدريب الكوماندوز للجيش التركي في منطقة إسبرطة في غرب تركيا.
ثمة شبكة من الأهداف المتنوعة التي يمكن لتركيا أن تستغل فيها الكيان الصومالي الهش مستقبلاً، خصوصاً وأن تركيا فقدت مؤخراً حليفاً استراتيجياً في تلك المنطقة، هو الرئيس السوداني المخلوع أحمد حسن البشير. فالمرامي التركية تبدأ السيطرة العسكرية والسياسية، مروراً بالنفوذ الاستخباراتي والأمني، وليس انتهاء بالهيمنة الاقتصادية.
وزير الهجرة اليوناني، نوتيس ميتاراخي، كان قد نقل خلال مؤتمر صحفي خاص معلومات تقول بأن حكومة بلاده قد توصلت من خلال التحقيقات التي أجرتها مع عدد من المهاجرين الآتين من تركيا بأنهم قدموا عن طريق مكتب الارتباط التركي في الصومال، الذي يدير عدد من المؤسسات الصحية والاقتصادية والتعليمية في العاصمة مقديشو، حيث تشجع هذه المؤسسات التركية الشبان الصوماليين للقدوم إلى تركيا، ومن ثُم الهجرة غير النظامية منها إلى اليونان وباقي الدول الأوربية، بغية إثارة قلاقل أمنية وديموغرافية للدول الأوربية، حيث وصل عدد المهاجرين الصوماليين بهذه الطريقة إلى أكثر من 300 مهاجر، حسب الوزير اليوناني.
وكالة التعاون والتنسيق التركية “تيكا” زادت من دعايتها الترويجية لما تقوم به من أعمال في الصومال، خصوصاً في القطاع الزراعي، من خلال ما تقدمه من مواد للمزارعين الصوماليين، والتخطيط المستقبلي لتوسيع استثماراتها في الأرياف الشمالية الخصبة من البلاد.
مؤسسة جاميستون الأميركية للأبحاث، كانت قد نشرت ورقة سياسيات تحليلية حول النفوذ التركية في الصومال وتطلعاته المستقبلية، كتبها جان قصاب أوغلو، قال فيها: “في الوقت الحالي، لا تتوقع تركيا أن تقلص من طموحاتها في أفريقيا، بالذات في الصومال، حيث ثمة شيء وموقع مختلف وفريد من نوعه في حسابات تركيا الاستراتيجية”.
لا تقتصر سياسة تركيا في الصومال على إقامة قواعد أمامية فحسب، بل تتعلق ببناء حليف طبيعي في بلد مهم في منطقة القرن الأفريقي.
قد يتساءل المرء “أين التالي” في خطط أنقرة؟ تبدأ أنماط القواعد الأمامية في تركيا باتفاقية “تدريب وتعاون عسكري”، مثل تلك التي حصل عليها وزير الخارجية التركي مولود غاويش أوغلو في النيجر في شهر يوليو الماضي، ثم ينتهي بهيمنة عسكرية وسياسية.
لكن في النيجر، سيتعين على تركيا على الأقل التنافس مع فرنسا، التي تهيمن على جدول أعمال السياسة الدفاعية هناك. هذا بالإضافة إلى الأسلحة الصينية والسوفيتية/الروسية، التي تشكل جزءًا مهمًا من ترسانة النيجر، لكن في الصومال ساحة خلا من كل ذلك، لذا ثمة أطماع تركية”.