“الواقع الجديد” الأثنين 7 سبتمبر 2020 / مقال للكاتب في المختص الليبي/ رضا شعبان
رافقت صعودَ أردوغان وحزبه إلى سدة الحكم في تركيا زيادةٌ في الانتهاكات السياسية والإنسانية في الداخل التركي بحق السياسيين والمدنيين والعسكريين، وهو ما جعل حلم تركيا في الانضمام الكامل إلى الاتحاد الأوروبي مستحيلا، وتزامن مع هذا كله بروز اسم شركة سادات العسكرية التي تعد أداة الرئيس التركي أردوغان لإنشاء جيشه السري.
وبات من المثبت أن الرئيس التركي أردوغان يعتمد في ممارساته في سوريا وليبيا وحتى في تركيا على تنظيم داعش الإرهابي كجيش خاص لتحقيق أطماعه السياسية الداخلية واستخدام التنظيم كفزاعة، إضافة إلى أطماعه الخارجية واستخدام تلك الدول بعد احتلال أجزاء منها كحواضن للتنظيم الإرهابي من جانب، ومرتكزات للانطلاق إلى أوروبا من جانب آخر.
والضغط والابتزاز التركي لأوروبا لم ينقطعا منذ صعود أردوغان على رأس حزب العدالة والتنمية الإخواني إلى سدة الحكم في تركيا والذي جاء من ضمن أهدافه المعلنة وقت تأسيسه عام 2001 بأنه يسعى إلى استيفاء الشروط المؤهلة لتركيا وفقا لمعايير كوبنهاجن لاستكمال مساعيها في الانضمام الكامل إلى الاتحاد الأوروبي.
ومع محاولات أردوغان وحزبه لتطويع تركيا لرغباتهما والاستحواذ الكامل على السلطة، زادت الانتهاكات للمعايير الدستورية والحقوقية والسياسية والإنسانية في الممارسات التركية، ومعها صار حلم الانضمام الكامل إلى الاتحاد الأوروبي بعيد المنال، بعد أن وصلت مفاوضات الانضمام إلى طريق مسدود حسب تعبير مسؤولي الاتحاد.
ومثلت الفوضى في العراق منذ 2003 وسوريا عام 2011 على يد التنظيمات الإرهابية وصعود تنظيم داعش إلى الواجهة وسطا حيويا لنموه مستخدما الامتداد الطبيعي بين العراق وسوريا وسيطرته على بعض المناطق والموارد المنهوبة من البلدين بما شكل حاضنا لنمو التنظيم تحت الرعاية التركية والإيرانية.
ورصد نشاط مكثف لشركة سادات في مناطق النزوح داخل العراق وسوريا ومناطق اللجوء في الحدود التركية المشتركة مع هذه الدول لتجنيد وتدريب عناصر إرهابية منتمية إلى داعش. ومع نمو التنظيم الإرهابي وتمدده وارتكابه المجازر بحق الأهالي والأقليات، زاد تدفق اللاجئين على الحدود التركية وهو أحد الأهداف التركية الرئيسة لاستخدام المأساة الإنسانية التي خلقها التنظيم الإرهابي كغطاء لتمرير عناصر تنظيم داعش إلى دول الغرب الأوروبي، ومنها إلى ألمانيا ودول الجنوب الشرقي الأوروبي بما في ذلك اليونان.
وشركة سادات العسكرية التي أسسها عدنان تانري فيردي مستشار أردوغان العسكري، ومعه 22 من العسكريين المتقاعدين والمقربين من أردوغان، صعدت إلى الواجهة منذ عام 2017 كإحدى الأذرع العسكرية والاستخباراتية السرية، وهو ما كشفته تقارير أمنية غربية وتركية، ونشطت في المناطق الحدودية التركية مع سوريا في تجنيد وتدريب الإرهابيين، ورُصدت بصماتُها في ليبيا تحت غطاء دعم حكومة السراج الإخوانية بضخ آلاف المرتزقة السوريين وبينهم ما يزيد على 3 آلاف عنصر إرهابي ينتمون إلى تنظيم داعش.
وتشير تقارير استخباراتية أميركية وأوروبية إلى أن المخابرات التركية استخدمت العديد من المنظمات غير الحكومية كغطاء لتمويل التنظيمات الجهادية، وكشفت المئات من التقارير أن أنقرة تستخدم المنظمات غير الحكومية وحملات الإغاثة الإنسانية لنقل الأسلحة وكل ما يحتاجه تنظيم داعش من أدوية وغذاء ومعدات بإشراف من الاستخبارات التركية.
وجاءت اعترافات عناصر من تنظيم داعش الذين اعتقلتهم القوات الكردية في شمال سوريا لتوثق العلاقة بين تنظيم داعش والاستخبارات التركية، ومن ضمن هذه الاعترافات ما أدلى به الداعشي أسامة عويد في التحقيقات حول تجارة النفط وسرقة الذهب والآثار التاريخية التي يجلبونها من الموصل، ثم ينقلونها إلى داخل تركيا عبر إدلب، وتحدث عن زيارات البغدادي إلى تركيا، وكيف كان زعيم داعش الذي لقي حتفه في غارة أميركية في أكتوبر 2019، يتحرك تحت غطاء كامل من الحماية، وفرته له أنقرة.
وبالرغم من هذه الحقائق وغيرها الكثير، لا تزال إسطنبول مستمرة في المزايدة والمرواغة. وفي مايو 2019، استضافت مؤتمرا دوليا لمكافحة تنظيم داعش، وقبلها بأيام، صرح أردوغان بأنه يسعى إلى إعادة عناصر داعش إلى دولهم الأصلية في أوروبا مع أسرهم وعائلاتهم والذين يتجاوز عددهم 12 ألف عنصر، ويتجاوز عدد أسرهم 70 ألفا. وأثناء ذلك، كانت تركيا ترتب لغزو الشمال السوري الواقع تحت السيطرة الكردية في أكتوبر من العام نفسه تحت غطاء ما عرف باسم عملية نبع السلام، وذلك لتحرير أكبر عدد من عناصر التنظيم الإرهابي المنتمين إلى دول أوروبية وعدة دول أخرى، والذين وقع منهم 12 ألف عنصر في أيدي القوات الكردية التي بدورها أودعتهم السجون، لكن الهجمة التركية أطلقت سراح عدد كبير منهم. وطبقا لتقارير استخباراتية وعسكرية، تم نقلهم تباعا إلى غرب ليبيا، وبعد فترة قصيرة، وبعد ظهور بعض هذه العناصر في ليبيا، أعلنت تركيا استمرارها في تدريب ميليشيات حكومة السراج التي يستخدمها كخفر سواحل، وهو ما يعني تهديد الساحل الجنوبي الأوروبي عبر السواحل المنفلتة في غرب ليبيا والتي تسيطر عليها تنظيمات إرهابية مستترة تحت حكومة السراج وعصابات الاتجار بالبشر.
وبعد ذلك بقليل، تسربت أعداد من هذه العناصر الداعشية إلى سواحل أوروبا، وسط ترجيحات قوية أنها انطلقت من سواحل ليبيا المنفلتة المسيطر عليها من تركيا. وفي إطار الضغط على الموقف الأوروبي، شهدت باريس والنمسا وهولندا وألمانيا عدة عمليات إرهابية.
ومع استمرار الوجود العسكري التركي في غرب ليبيا والسيطرة على سواحلها المقابلة للسواحل الجنوبية لأوروبا، ومع وجود أكثر من 20 ألف مرتزق في ليبيا بينهم ما لا يقل عن 6 آلاف عنصر داعشي، أصبحت أوروبا تحت التهديد الإرهابي التركي.