“الواقع الجديد” السبت 21 نوفمبر 2020 / سكاي نيوز عربيه
تؤكد تحركات وتصريحات وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان منذ زيارته الثالثة للجزائر بعهد الرئيس عبد المجيد تبون بمنتصف أكتوبر الماضي، وحتى زيارته الأخيرة للعاصمة المصرية القاهرة في التاسع من نوفمبر الجاري، على أن مصير النفوذ الفرنسي في القارة الأفريقية متوقف على دور باريس في ليبيا، ومدى نجاحها مع باقي الأطراف الساعية للسلام في إنهاء الحرب هناك.
ويرى الباحثون بمراكز الفكر وصنع القرار في قاطرة أوروبا السياسية فرنسا، بأن باريس اليوم تواجه تحديات بالجملة، سواء في الداخل بسبب الاقتصاد، أو في الخارج بسبب الدور التركي في مناطق النفوذ الفرنسي سواء في الشرق الأوسط أو غرب أفريقيا المزعزع لاستقرار دول تلك المناطق، بالتزامن مع ملاحظة ارتفاع النشاط المشبوه لعناصر تركية داخل المجتمع الفرنسي نفسه
وهو ما يؤكد على أن فرنسا اليوم تواجه كم هائل من التحديات والتهديدات سواء في الداخل أو الخارج، وأن الملف الليبي أصبح يمثل لباريس أهمية خاصة.
فرنسا في ليبيا تنحاز للمؤسسات الشرعية
ويقول أستاذ العلوم السياسية بالجامعات الليبية، أشرف الباروني، إنه بسبب سياسة المحاور والصدام المتزايد بين روسيا والولايات المتحدة، ودعم الأخيرة لعدو فرنسا الأول الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في إقليم الشرق الأوسط ومنطقة آسيا الوسطى، أصبح خيار فرنسا في ليبيا واحد فقط، وهو العمل على حماية مصالحها في ليبيا.
ويضيف الباروني لـ”سكاي نيوز عربية” “كانت فرنسا أكثر المتضررين من انزلاق ليبيا إلى مستنقع الفوضى والاضطرابات، لذلك كان من الطبيعي أن تقف باريس على مسافة قريبة جدا من الرجمة (مقر القيادة العامة للقوات المسلحة العربية الليبية)، والبرلمان الليبي المتواجد بطبرق بحكم أنه المؤسسة الوحيدة في ليبيا التي جاءت بالانتخاب على عكس باقي المؤسسات التي فرضت على ليبيا من الأسرة الدولية.
وتابع: “المؤسسة العسكرية الفرنسية كانت أول من انتبه لخطأ الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي الكارثي في عام 2011 بحق ليبيا”.
وأضاف أن “ما سيحدث في ليبيا من انهيار أمني سيكون له مردود سلبي مباشر على أوروبا عامة وفرنسا خاصة، وهنا أتذكر تصريح رئيس الأركان الفرنسي الأسبق إدوارد جيو لمجلة “لوبوان الفرنسية” فبراير عام 2012، عندما وجهت الصحيفة سؤالا لرئيس الأركان الفرنسي فحواه ما الخطر الذي سيهدد فرنسا وباقي دول القارة العجوز مستقبلا؟”
فكان رد إدوارد جيو دون تردد إنها “معسكرات الجهاديين في جنوب شرق تركيا، ولا أعتقد أن الأتراك أنشأوا تلك المعسكرات في هذه المدن هكذا اعتباطاً، بل هم سيزحفون علينا يوماً ما قبل أن يصدِّروا إرهابهم لكافة دول الشرق الأوسط بأكمله”.
ليبيا اختبار حقيقي لماكرون
ويصف الباحث السياسي الليبي، أحمد حمزة، دور فرنسا في ليبيا بالاختبار الحقيقي للإدارة الفرنسية الحالية، مؤكدا أن ليبيا تمثل الآن لإدارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أهم الأولويات الخارجية.
ويضيف حمزة لـ”سكاي نيوز عربية” أن أهمية ليبيا لفرنسا هي ما دفعتها من تعزيز قواتها العسكرية في البوابات الخلفية لليبيا، أي بدول تشاد والنيجر ومالي، كي لا ينتقل دواعش تلك الدول أو التكفيريين بنيجيريا شمالا نحو ليبيا كما كان يحدث في الأعوام الماضية”.
وأوضح أن “ذلك يضمن فرض الاستقرار في الجنوب الليبي، الذي بحكم جغرافيته البعيدة عن دول جنوب أوروبا، وتركيبته القبائلية المعقدة، وعدم وجود أي مقر رئيسي لمؤسسات الدولة به صار مهملا من الإعلام الدولي، فالمصالح الاقتصادية لفرنسا في جنوب ليبيا كبيرة جدا، وكذلك الأمنية أيضا، في ظل ما تواجهه فرنسا من تحديات أمنية كبرى في دول جنوب ليبيا”.
ولفت حمزة إلى أن “مدى حضور فرنسا بالميدان الليبي، وفاعليتها مع شركائها سيحدد مدى نجاح فرنسا ماكرون في أفريقيا وليس ليبيا فقط، ففرنسا تعرف مدى أهمية البُعد الجغرافي لليبيا الذي جعلها نقطة ارتكاز في شمال أفريقيا وبوابة لأوروبا نحو أفريقيا، مما يعطي الأفضلية الاستراتيجية لمن يتواجد بتلك الرقعة المميزة، وكذلك البُعد الاقتصادي وكم الفرص الهائلة التي تنتظر الشركات الفرنسية في ليبيا، خاصة في مجال الطاقة والتنقيب عن اليورانيوم والذهب”.
وتابع: “من ما تم ذكره تتضح أهمية إنهاء الحرب في ليبيا لفرنسا ولمصالحها الاقتصادية والأمنية، في ظل ما تعانيه الدولة الفرنسية من أزمة اقتصادية وتهديد أمني في الداخل على يد أتباع الإسلام السياسي الذي هو نفس عدوهم في أفريقيا”.
واستطرد: “لذلك باتت فرنسا في مقدمة الدول الأوروبية المنخرطة بالملف الليبي، وأكثرها صداما مع تركيا وسياساتها التخريبية في ليبيا، في ظل الدعم التركي المستمر للمليشيات بالغرب الليبي، وهو ما دفع فرنسا في أن تتوجه بثقلها العسكري نحو بحر إيجة، لمواجهة السفن التركية التي تنقل السلاح للمليشيات بغرب ليبيا، من أمام السواحل التركية وليس من أمام السواحل الليبية، في محاولة من البحرية الفرنسية لتضييق نطاق حركة السفن التركية المشبوهة في شرق المتوسط”.