((الواقع الجديد)) الأربعاء 11 نوفمبر 2020م / متابعات
لم تكتف مليشيا الحوثي الانقلابية بتكريس التبعية لنظام إيران، بل تحاول طمس الهوية اليمنية واستبدالها بالفارسية.
وعلمت “العين الإخبارية” من سكان محليين في صنعاء، أن عناصر موالية لمليشيا الحوثي يقومون بزيارة قبر الحاكم الفارسي باذان في حي “حمراء علب” بصنعاء القديمة بصورة سرية وسط طقوس دينية مأخوذة من مذهب الإثنا عشرية.
وأوضحت المصادر أن مليشيا الحوثي تخطط لبناء ضريح ومزار ديني للقبر مماثل لضريح الهادي الرسي في محافظة صعدة، شمالي البلاد، والشبيه بالمزارات الدينية في إيران.
واحتفل الحوثيون مؤخراً بتخرج أول دفعة للغة الفارسية من جامعة صنعاء باسم قائد فيلق القدس الإيراني الإرهابي قاسم سليماني في خطوة سبقتها خطوات مماثلة ضمن توجه عام نحو تكريس التبعية المطلقة لإيران.
ويقول باحثون يمنيون لـ”العين الإخبارية” إن تجريف الحوثيين للهوية اليمنية سياسة إيرانية تستهدف إيجاد امتداد تاريخي لبقايا الاحتلال الفارسي في اليمن، والذي أخذ صوراً وأشكال عدة واستطاع حكم مناطق يمنية مختلفة لأكثر من ألف عام على مراحل زمنية متقطعة.
ووفقاً للباحثين، فإن نظام إيران بات يطلق على الأسر السلالية الهاشمية الحوثية أنهم “أبناء فارس” وهي تسمية تعود لنسل مجموعة من المجرمين الذين نفاهم ملك الفرس ضمن جيش احتل صنعاء في العام 570م، وحاولوا الاندماج في المجتمع اليمني.
وبحسب المراجع التاريخية، فإن التسمية تحولت من إثنية عرقية إلى فكرة أيديولوجية، عندما استخدمها “الهادي الرسّي” سنة 897م للوصول للحكم تحت غطاء دولة الزيدية، وبدأ عهد جديد لحكم “أبناء فارس” بأثواب يمنية.
وتشير كل الدلائل إلى جموح حوثي لطمس الهوية اليمنية واستبدالها بالهوية الفارسية، في ظل السيطرة على المؤسسات المعنية بالتاريخ والتراث والتعليم، ما يشكل تهديداً خطراً للتراث الإنساني البعيد عن الأضواء في مناطق شمال اليمن.
تزوير التاريخ
ومنذ وضعت مليشيا الحوثي يدها على الوثائق والآثار التاريخية الهامة في اليمن، صارت معظم تلك المراجع في حكم المفقود، ليتسنى لمليشيات الحوثي إعادة تأليف التاريخ وفقاً لسياسات التبعية لإيران، الأمر الذي يجري بصمت دون التنبه له.
وخلال دورات غسل الأدمغة المسماة بـ”الدورات الثقافية” والتي تقيمها مليشيا الحوثي لأتباعها في قرى معزولة عن العالم، يتم تلقين أفراد الدورة معلومات مزيفة حول التاريخ اليمني والإسلامي تمجد الإمبراطورية الفارسية على حساب الهوية اليمنية.
ويقول الشاب اليمني “سمير” والذي أرغمته المليشيا الحوثية على حضَور دوراتها، إن القائمين على الدورات أخبروهم أن الغزو الفارسي لليمن في القرن السادس للميلاد لم يكن احتلالاً، وأن الحاكم الفارسي على اليمن “باذان” تم تحريف اسمه والذي يعني – وفقاً للحوثيين – “بإذن الله”، أي أنه حكم اليمن بإذن الله.
وتدّعي الرواية الحوثية أن الجيش الفارسي، والذي كان مكوناً من سجناء مجرمين، ذهب إلى اليمن لنصرة النبي محمد عليه الصلاة والسلام ولإنقاذه من جيش الأحباش بقيادة أبرهة.
وبحسب شهاداته التي أدلى بها لـ”العين الإخبارية” يضيف “سمير”، فإن هذه المغالطات تتناقلها مليشيا الحوثي على نطاق واسع كحقائق ومسلّمات تاريخية، لكن تداولها يتم بشكل شفهي دون الإعلان عنها وتبنيها عبر وسائل الإعلام.
ويؤكد الشاب اليمني، الذي اضطر لحضور الدورات الحوثية خشية تصنيفه كعميل، أن تزييف التاريخ لدى مليشيا الحوثي يتجاوز كل حدود العقل، إلى درجة وصف الجيش الذي أرسله الخليفة الراشد عمر بن الخطاب لفتح بلاد فارس بالمحتل، لأن عمر – حد زعم الحوثيين – أرسل جيشه لتصفية حسابات سياسية.
ويفعل الانقلاب الحوثي كل ما من شأنه تلميع صورة الاحتلال الفارسي لليمن، حيث تفيد مصادر لـ”العين الإخبارية” أن مليشيا الحوثي أخفت العديد من الوثائق والمستندات والشواهد التاريخية التي تشير إلى الاحتلال الفارسي بشكل صريح.
وكانت تلك المراجع التاريخية قد وقعت في أيدي المليشيا المدعومة إيرانيا مع سيطرتها على المتاحف ودور المخطوطات اليمنية عقب الانقلاب على الدولة وسيطرة المليشيا على العاصمة صنعاء قبل ستة أعوام.
تراث مهدد
ويرى العديد من الباحثين والمؤرخين اليمنيين أن سيطرة المليشيا الحوثية التابعة لإيران على المؤسسات التاريخية والتعليمية في اليمن يشكل خطراً حقيقياً يهدد تراث وتاريخ هوية شعب بأكمله.
وحذر الباحث اليمني، عبدالحكيم الشرعبي، من تعمد الحوثيين طمس الهوية اليمنية استناداً إلى إخفاء الوثائق التاريخية وإعادة تأليف تاريخ شفهي يخلد الهوية الفارسية، وذلك بهدف ترسيخ التبعية المطلقة لإيران.
وقال الباحث اليمني، في حديث لـ”العين الإخبارية”، إن المليشيا الحوثية التي استولت على المخطوطات التاريخية في مدينة زبيد الأثرية والتي هربت مخطوطات عبرية إلى إسرائيل مقابل ملايين الدولارات، لن تتوانى عن إخفاء وربما إتلاف ما تبقى من تراث اليمنيين الذي يدين حقبة الحكم السلالي.
ودعا الشرعبي المنظمات الدولية والهيئات المعنية بالتراث العالمي إلى إنقاذ الآثار اليمنية من براثن المليشيا الإيرانية قبل فوات الأوان.
من جانبه، قال الباحث المختص بالتاريخ اليمني، سعيد عبدالجبار، إن أبناء فارس تمكنوا من حكم اليمن تحت غطاء الدولة الزيدية الذي أسسها الهادي الرسي القادم من إيران أواخر القرن الثالث الهجري، والذين عادوا اليوم للحكم تحت غطاء الحركة الحوثية.
ويرى الباحث اليمني، في حديثه لـ”العين الإخبارية”، أن حكم الإمامة الكهنوتية وانقلاب الحوثيين هو امتداد تاريخي للاحتلال الفارسي الذي بدأ قبل ألف عام ونصف متنكراً بملامح يمنية وباسم “السلالة الهاشمية”.