“الواقع الجديد” الاربعاء 23 سبتمبر 2020 / البيان
لم يكن عثمان محمد عبدالله يدرك أن فرحته بعودته إلى منزله في حي مدينة الصالح بمدينة الحديدة اليمنية سيكون ثمنها ابنته، إذ كان لغم زرعته ميليشيا الحوثي قبل طردها داخل حوش المنزل، فكان أول المستقبلين للأسرة، لينتزع منها أغلى ما تملك، وتتركها تقتات الألم حتى اليوم.
في بيت بسيط سقفه من القش، وتتسرب إليه أشعة الشمس الحارقة، كان عثمان يسكن مع أمه وزوجته وبناته الثلاث في مدينة الصالح الواقعة شرقي مدينة الحديدة، قبل أن تجبره الحرب على المغادرة، لأن بيته يقع على خطوط التماس. غادر مع مجموعة من جيرانه. ولم يجد ملجأ يحتويه وأسرته، فأمضى خمسة أشهر مشرداً متنقلاً، ويعيش أوضاعاً تفتقر لأبسط مقوّمات العيش الكريم، فكان يقضي ليالي عديدة من الخوف والجوع، على أمل أن يصطلح الحال، ولكن من دون جدوى، قبل أن يبلغه في أحد الأيام تحرير المنطقة، التي يقع فيها مسكنه، وبفرح كبير عاد إلى بيته مع أسرته.
مآسٍ بلا نهاية
لم يكن عثمان يعلم بأن شبح الموت يتربّص به وبأغلى ما يملك، ففي حوش المنزل تركت الميليشيا آثارها المدمرة. يتذكر تلك اللحظات بحزن شديد ويقول: «رجعت إلى منزلي فرحاً بعد التحرير، وجلست في المنزل ثلاثة أيام، وكانت الألغام مدفونة تحتنا، ولم نكن نعلم، وبينما كنت أضع ابنتي على الأرض في فناء المنزل، انفجر بنا لغم، فتناثر جسد إحدى بناتي أشلاء، وفارقت الحياة على الفور، أما الأخرى فأصيبت بشظايا في بطنها، وأمي فقدت سمعها، وأنا بترت قدماي، لقد تحولت فرحتي بالعودة إلى منزلي بعد غياب قسري إلى مأساة حزينة ومؤلمة». عثمان فقد قدميه وإحدى بناته، وأصيبت الأخرى إصابة بليغة، مآسٍ بلا عدد ولا نهاية، قد يكون عثمان وأسرته هم الأوفر حظاً عن البقية، فما تخلفه جماعة الحوثي من مآسٍ تتعدى حدود العقل.