“الواقع الجديد” الاثنين 21 سبتمبر 2020 / الحديدة – علي جعبور
اعتادت إيمان إبراهيم (8 سنوات) أن تلهو وحيدة جوار منزلها المتواضع الذي نزحت إليه بأطراف مدينة حيس جنوب الحديدة.
وإلى الشمال من بيتها تفتعل عناصر الميليشيات معارك يومية وتشتبك مع القوات المشتركة في محاولة للعودة إلى المدينة دون جدوى.
كانت إيمان، كأغلب أطفال مدينة حيس، قد ألفت دوي القذائف وأزيز الرصاص أو تعايشت معه حتى لم يعد يخيفها أو يحول بينها وبين اللهو واللعب في باحة البيت، لكن الأمل كان يراودها في أن يأتي يوم تسكت فيه البنادق للأبد وتعود هي إلى قريتها التي غادرت مكرهة.
وفي التاسع من سبتمبر من العام الماضي كان قناص حوثي متعطش لسيل الدماء البريئة يتربص بها وبأحلامها البسيطة وقد وجه فوهة سلاحه نحوها دون رحمة، مقرراً وضع حد لزهرة صغيرة تتفيأ ظل حائط متهالك بعد ظهيرة يوم مشمس، ولم تكن إيمان تدرك ما الذي يعده لها ذلك الذئب البشري المقرفص خلف التلة القريبة، ولم يكن يشغل بالها سوى مواصلة لعبها وأحلامها. ثم فجأة، وفي لحظة مباغتة وقع دوي انفجار وارتطام قوي بصخرة تقوم بجوارها، وبفطرتها عرفت أنه الموت الذي فرت من قريتها خوفها منه، شعرت به يدب في جسدها النحيل ويوجعها بقسوة ورأت كف يدها اليسرى تتقلب بين التراب وقد تخلت عنها للأبد ونافورة دماء تنطلق من زندها المبتور، أرادت أن تتحرك لكن ساقها لم تطاوعها وأحست بها تتفتت تحت الجلد الجريح، فصرخت برعب وذهول من هول ما جرى لها.
كانت أمها وأخواتها يفترشن أرض الغرفة الصغيرة وينتظرن اكتفاءها من اللعب والعودة إلى الداخل، ليفجعهن صراخها المذعور، هرعن إليها وأسعفنها إلى المستشفى الوحيد بالمدينة.
وتشير شقيقتها «فائزة» (15 عاما) في حديثها لـ «البيان» أنهن نقلنها إلى المستشفى الريفي بالمدينة لتلقي الإسعافات الأولية ثم نقلت إلى المخا على متن إسعاف تابع للقوات المشتركة في الساحل الغربي وهناك أجريت لها عدة عمليات لتجبير ساقها وعلاج يدها المبتورة وظلت بالمستشفى حتى تماثلت للشفاء.