“*الواقع الجديد*” الاربعاء 16 سبتمبر 2020 / د.محمد علي السقاف
هناك مخاوف كبيرة تواجه اليمن من إمكانية حدوث تسرب نفطي من الناقلة «صافر» الراسية قبالة ميناء رأس عيسى بمحافظة الحديدة على ساحل البحر الأحمر، قد تكون له آثار بيئية خطيرة على مستوى الحديدة والبحر الأحمر، ربما تقارب أبعاده ما جرى في انفجار بيروت، وكنت أنوي مواصلة كتابتي حول واجب الدول العربية مواجهة الطموحات التركية – الإيرانية في المنطقة، ولكن بقراءة التصريحات الأخيرة لوزير بريطاني وللسفير البريطاني لدى اليمن، والتي تزامن نشرهما يوم الجمعة الماضي في هذه الصحيفة، جعلني أؤجل متابعة حديثي السابق، حيث رأيت وجود رابطة غير مباشرة بين الاهتمام البريطاني باليمن والاهتمام الفرنسي بلبنان، فاهتمام بريطانيا بالمسألة اليمنية ربما يعود ذلك لسببين رئيسيين؛ أولهما لكون المبعوث الأممي بشأن اليمن هو بريطاني الأصل، وهو ما لا يستطيع قوله بشكل مباشر وصريح، لكونه مبعوثاً خاصاً من الأمين العام للأمم المتحدة، حيث تتطلب وظيفته ومهامه استمرار التواصل مع أطراف الأزمة اليمنية، ويتولى بديلاً عنه التصريح من الجانب البريطاني بما يريد قوله، والسبب الثاني أن بريطانيا مكثت في عدن والجنوب لمدة 129 عاماً، وفي هذا الإطار دخلت كمسؤولة عن عدن ومحمياتها في علاقة جوار واتفاقات مع المملكة المتوكلية اليمنية، وبالتالي هي على دراية بتاريخ المنطقة.
وسيلاحظ أن هناك توزيعاً في الأدوار بهذا الخصوص بين الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي، حيث تقوم بريطانيا أو فرنسا بإعداد مسودات مشاريع قرارات مجلس الأمن، حين تطرح أزمة ما ذات طابع دولي أمام المجلس، وهذا ليس دائماً صحيحاً، ولكنَّه في الغالب أقرب للحقيقة، كبعض القرارات التي كانت متعلقة بالأزمة اليمنية، في حين عند أزمة أوكرانيا أو الحديث عما هو متعلق بالأزمة السورية تكون روسيا طرفاً في صياغة مشروع القرار والولايات المتحدة في أزمة يوغسلافيا.
عودة لموضوعنا حول ناقلة النفط «صافر»، أكد مايكل آرون السفير البريطاني لدى اليمن في تصريح أولي لهذه الصحيفة في 25 يونيو (حزيران) السابق أنَّ موضوع ناقلة النفط «يمثل أولوية لبريطانيا والمجتمع الدولي، وأن مواصلة الحوثيين منع خبراء الأمم المتحدة من تقييم وضع الناقلة، ووضع الحلول المناسبة لتفادي تسرب نفطي كبير سيدفع المجتمع الدولي للحصول على دعم مجلس الأمن لفرض عقوبات ضدهم (أي ضد الحوثيين)، وقد أظهرت دراسة أن حدوث تسرب نفطي من الناقلة سيؤدي إلى كارثة بيئية وبحرية واقتصادية، مما يعني أن مستوى تأثير التسرب خلال الفترة بين يوليو (تموز) وسبتمبر (أيلول) سيتسبب في نفوق كل الأسماك في المنطقة، ويؤثر بطريقة مباشرة في 1.6 مليون من السكان في المنطقة ومورد عيشهم، وبحسب الدراسة وفقاً للسفير خلال هذه الفترة سيكون 8 ملايين يمني عرضة بشكل مباشر لتلوث البيئة جراءَ التسرب ومن 50 إلى 70 في المائة من الأراضي الزراعية اليمنية سوف تغطى بالسحابة السوداء»، وأظهرت الدراسة أنَّ تأثير التسرب سوف يستمر لأكثر من 30 عاماً! وانطلاقاً من ذلك طلب من الحوثيين السماح لخبراء الأمم المتحدة بتفقد الناقلة «صافر» لبحث الطريقة المناسبة للتعامل مع النفط المخزن عليها وكيفية تفادي هذا التهديد.
وفي إحاطة المبعوث الأممي مارتن غريفيث لمجلس الأمن الدولي بتاريخ 28 يوليو الماضي تناول موضوع ما سماه الخزان العائم «صافر» ناقلة النفط المتداعية التي تهدّد بتسرب أكثر من مليون برميل من النفط في البحر الأحمر، وذكر غريفيث في إحاطته أنَّ الحوثيين أكدوا كتابة أنهم سيصرحون لبعثة فنية تشرف عليها الأمم المتحدة بالوصول إلى الناقلة، إلا أننا ما زلنا ننتظر الأذونات اللازمة لنشر هذا الفريق، وهذه العبارات الدبلوماسية تخطاها السفير البريطاني بالتصريح لاحقاً بأن الحوثيين أحياناً يوافقون ثم يتراجعون عن موافقتهم!!
ومن جانب الحكومة الشرعية أكدت وزارة الخارجية اليمنية أنَّها وافقت من دون شروط على وصول الفريق الأممي، وتقديم كافة التسهيلات له وعلى استخدام العائدات لدفع رواتب الموظفين في الخدمة المدنية في أرجاء اليمن كافة، ورفضت الحكومة اليمنية إطالة عمر الخزان المتهالك غير القابل للإصلاح، ليبقى قنبلة موقوتة بأيديها.
من جانبها أكدت المملكة العربية السعودية لغريفيث ضرورة معاينة ناقلة «صافر» سريعاً، وعلى مستوى المنظمات الإقليمية والدولية طالب أمين عام مجلس التعاون الخليجي عند استقبال أمينه العام الجديد السيد غريفيث بضرورة تمكين الخبراء بمعاينة ناقلة النفط صافر لتفادي الكارثة التي قد تقع.
وحذر الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط من خطورة وضع ناقلة النفط في بيان نشر له قائلاً إن «كارثة لبنان، وما أحدثته من دمار مروع، تذكرنا بخطورة وضع هذا الخزان النفطي، الذي لم تجرِ له أي صيانة منذ اندلاع الحرب في عام 2015، داعياً مجلس الأمن إلى التدخل بصورة فورية».
وقد أعرب مجلس الأمن في جلسة مغلقة يوم الثلاثاء 18 أغسطس (آب) الماضي عن القلق العميق بشأن المخاطر المتزايدة لناقلة النفط «صافر»، داعياً الحركة إلى «اتخاذ إجراءات ملموسة من دون مزيد من التأخير، لتسهيل الوصول غير المشروط لخبراء الأمم المتحدة إلى الناقلة»، وأكد ذلك في الاتجاه نفسه أيضاً المتحدث الرسمي للأمين العام للأمم المتحدة.
أمام هذا الاهتمام الإقليمي والدولي المكثف على الحوثيين بخصوص الناقلة «صافر» يبدو أن الأزمة في طريقها إلى الحل وفق التصريحات الأخيرة يوم الجمعة الماضي لهذه الصحيفة التي قال فيها السفير البريطاني آرون بحصول تقدم ملموس، وإن هناك اتفاقاً شبه كامل بين الأمم المتحدة والحوثيين بالنسبة لما سيعمله الفريق، لكن نواجه مشكلة في التمويل، حيث نحتاج إلى ما بين 3 و4 ملايين دولار دفعت بريطانيا منها 3 ملايين دولار، وجار البحث مع بعض المانحين مثل ألمانيا خاصة لتوفير المبالغ المتبقية، وإذا حصلنا على المبالغ قبل نهاية الشهر الحالي (سبتمبر) فمن الممكن أن يكون الفريق في جيبوتي.
وأشير في النهاية إلى بعض الملاحظات:
– في اتجاه الحوثيين إلى التعديل الدستوري اليمني في شهر فبراير (شباط) 2003 الذي وضع نصاً فريداً في المادة (35) التي أكدت أن «حماية البيئة مسؤولية الدولة والمجتمع، وهي واجب ديني ووطني على كل مواطن».
وقد أقر هذا التعديل في إطار مجلس النواب اليمني النائب يحيى الحوثي شقيق عبد الملك الحوثي وبقية نواب صعدة في المجلس، إضافة إلى مواطنين وغالبية اليمنيين عند طرح التعديل الدستوري على الاستفتاء الشعبي العام.
مسؤولية الأمم المتحدة غير المباشرة حين عمدت بالضغط على قوات الشرعية والتحالف بوقف العمليات العسكرية على أبواب الحديدة التي كاد تحالف الشرعية أن يستولى ويحكم قبضته عليها، ولولا التدخل الأممي حينها لربما أزمة ناقلة النفط «صافر» لما طرحت في المحافل الدولية كما هي الآن.
من المؤمل بعد كل هذه المساومات والتعقيدات أن يتم الآن إيجاد حل نهائي واضع للأزمة اليمنية.
مقالة الدكتور محمد علي السقاف
صحيفة الشرق الاوسط في ١٦/ ٩ / ٢٠٢٠