“الواقع الجديد” السبت 15 اغسطس 2020 / خاص
[ مخاوف من انهيارات واسعة تطاول القطاعات الاقتصادية (فرانس برس) ]يواجه اليمن تبعات اقتصادية مؤثرة لفيروس كورونا، وما رافق تفشيه من قرارات الحظر والإغلاق الذي طاول عديد المرافق والأعمال التجارية والاقتصادية والخدمية، إضافة إلى المنافذ البرية والبحرية والجوية، بعد ما يزيد على خمس سنوات من حرب لا تزال متواصلة ألقت بظلال قاتمة على مختلف نواحي الحياة في بلد يعاني من فقر وبطالة مزمنة.
وبدأت قطاعات أعمال وخدمات مثل المطاعم وشركات النقل والمراكز التجارية وأسواق الملابس وعديد الأعمال الأخرى التي طاولها قرار الحظر والإغلاق في اليمن، في إطار ما اتبعته السلطات المحلية من إجراءات لمكافحة فيروس كورونا، في معاينة الأضرار والخسائر والتبعات الكارثية التي تعرضت لها، بعد تعليق قرارات الإغلاق ورفع الحظر في منتصف يوليو/تموز.
ويتوقع أن يكون لقرارات الحظر والإجراءات الاحترازية التي تم تنفيذها لمكافحة فيروس كورونا تبعات جسيمة قد تؤدي إلى انهيار قطاعات هامة يستند عليها الاقتصاد اليمني محدود الموارد، خصوصاً في عملية تشغيل الأيادي العاملة.
فيما يُرجّح أن يؤدي انتشار فيروس كورونا في اليمن، وما نجم عنه من تبعات والإجراءات الوقائية منه، إلى تدهور كبير في حجم التجارة والأعمال في بلد يعاني من شحة الموارد. وحسب بيانات الجهاز المركزي اليمني للإحصاء التي اطلعت عليها “العربي الجديد”، يصل عدد القطاعات الخدمية اليمنية في القطاع المنظم إلى نحو 9500 منشأة ما بين صغيرة ومتوسطة وكبيرة، فيما تقدر تقارير صادرة عن القطاع الخاص اليمني خسائر هذه الأنشطة والأعمال والخدمات بسبب تداعيات فيروس كورونا بحوالي 14.5 مليار ريال.
وأجبر توقف العمرة والحج وقرار إغلاق المطاعم وقطاعات الخدمات والترفيه الذي نفذه الحوثيون في صنعاء والمناطق الخاضعة لسيطرتهم، العديد من الشركات العاملة في السفر والسياحة والعمرة وتجار وملاك مطاعم ومحال الملابس على التوقف وتسريح العمال وتصفية أعمالهم.
والتحق فيروس كورونا وتبعاته الاقتصادية الكارثية بالحرب الدائرة في البلاد منذ ما يزيد على خمس سنوات، والتي تسببت في توقف الأنشطة التجارية والصناعية بنسبة 70 في المائة، الأمر الذي أدى إلى فقدان نحو 80 في المائة من العاملين في القطاع الخاص لوظائفهم، مع ارتفاع النسبة إلى 90 في المائة نتيجة التبعات الكارثية للإجراءات المتخذة لمكافحة فيروس كورونا.
وأثرت القيود المفروضة بسبب فيروس كورونا بشكل كبير على أسعار السلع الغذائية والاستهلاكية التي شهدت ارتفاعاً واسعاً منذ أبريل/نيسان الماضي، يرجع مراقبون سببه الرئيسي لانخفاض المعروض من السلع جراء توقف الاستيراد، وكذا بسبب زيادة تكاليف النقل.
ويسود القطاع الخاص اليمني تذمر واسع نتيجة تنفيذ السلطات المعنية بمكافحة فيروس كورونا إجراءات احترازية منفردة بدون التنسيق مع القطاع الخاص، لتلافي أي خسائر اقتصادية وانخفاض المعروض من السلع الغذائية والاستهلاكية وحدوث أزمة غذائية في البلاد.
إذ كان على السلطات الحكومية التنسيق مع مؤسسات القطاع الخاص، لاستمرار الإمداد السلعي لخبرة هذه المؤسسات في التعامل مع الأزمات الاقتصادية الطارئة على الأرض، خلال فترة الإغلاق والحظر الذي تم رفعه مؤخراً. مسارات شاقة ويؤكد التاجر عبدالحميد السالمي، أن فيروس كورونا أجبرهم كتجار على اتخاذ مسارات طويلة وشاقة في إيصال المواد الغذائية بتكلفة أعلى، تجنباً للقيود المفروضة على الحركة جراء فيروس كورونا، والتي تم تطبيقها بصرامة على الطرق المباشرة بين المحافظات.
ويضيف السالمي لـ”العربي الجديد” أن الجبايات لم تتوقف على طول هذه المسارات الطويلة من قبل نقاط تفتيش تابعة لمختلف الأطراف المتحاربة في البلاد، إضافة إلى الإجراءات التي فرضها المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتياً في ميناء عدن منذ إعلانه ما يسمى بالإدارة الذاتية في شهر إبريل/نيسان الماضي من إجراءات عبثية وسعت من خسائر التجار في عمليات الشحن والنقل.
وكانت الحكومة اليمنية قد قررت مطلع العام 2019 تحويل نحو 70 في المائة من خطوط الشحن التجاري من ميناء الحديدة غربي اليمن إلى ميناء عدن (جنوب)، إذ تتهم الحكومة الحوثيين باستخدام الميناء المطل على البحر الأحمر لتهديد الملاحة الدولية.
وترتب على هذا القرار أعباء إضافية ومشاكل أمنية جمة تحملها اليمنيون بمضاعفة أسعار السلع والخدمات، جراء التغيرات التي طرأت على تكاليف الرسوم الجمركية والضريبة المفروضة على البضائع، والتي ضاعفها الازدواج الجمركي والضريبي بسبب تعدد السلطات.
تعد التكاليف الباهظة لنقل البضائع داخل اليمن إحدى أكبر آثار الحرب في البلاد، إذ أصبحت أجور نقل البضائع التجارية من ميناء عدن إلى صنعاء مكلفة للغاية، تفوق فاتورة أجور نقل حاوية طولها 40 قدما 3 آلاف دولار فيما لا تتعدى تكلفة نقلها من الصين 700 دولار. الأضرار الناجمة عن الحرب الدائرة في اليمن وتبعات مكافحة فيروس كورونا قلصت الحركة التجارية في مختلف المناطق اليمنية، وشملت معظم الأعمال التجارية في اليمن لاعتمادها على الاستيراد بشكل رئيسي، وكذا وجود فئة عمالية واسعة تعتمد على الأجر اليومي من خلال العمل في هذه القطاعات والأعمال.
في السياق، يؤكد باسم الدبعي تاجر ملابس، تكبدهم خسائر فادحة، بسبب الركود الذي فرضته الحرب وكذا فيروس كورونا، واستهداف متاجرهم الخاصة بالملابس بشكل رئيسي من قبل السلطات المعنية. ويتحدث الدبعي لـ”العربي الجديد” عن صدمة كبيرة لحقت بهم كتجار ملابس، تمثل لهم الفترة الممتدة من شهر شعبان إلى حلول عيد الأضحى موسمهم السنوي في تعويض خسائرهم، والتزاماتهم العديدة مثل دفع إيجار متجره المتراكم عليه منذ أشهر، وحسب تأكيداته يصل ما يدفعه من إيجار شهري إلى نحو 150 ألف ريال يمني.
ويرى الخبير في قطاع الدراسات والتوقعات الاقتصادية الحكومي كمال الخامري، أن تبعات فيروس كورونا ستكون قاسية على شريحة واسعة من السكان في اليمن من حيث فقدان دخولهم، وبالتالي زيادة معاناتهم وتدهور معيشتهم، إضافة إلى التدهور الناتج عن الحرب المستمرة منذ خمس سنوات.
وللتعامل مع التأثيرات الاقتصادية السلبية الناجمة عن أزمة كورونا، يشير الخامري لـ”العربي الجديد” إلى أهمية اتخاذ إجراءات عديدة لتعزيز التعافي الاقتصادي، وإطلاق مبادرة لتخفيف الأعباء على الشركات وقطاعات الأعمال وتحفيز قدرتها على مواجهة ظروف السوق الصعبة.