“الواقع الجديد” الخميس 13 اغسطس 2020 /د.موزة العبار
يتفق المختصون والباحثون في العلوم «الإدارية والنفسية والاجتماعية والسياسة والقانون وعلم الأخلاق» أن ظاهرة «الفساد الإداري» بكافة أشكالها ومستوياتها تعد ظاهرة عالمية متجذرة ذات أبعاد شمولية تسببها عوامل عدة متداخلة يصعب التمييز عادة بين مكوناتها الرئيسية! وهي عادة ما تختلف في حجمها ودرجاتها من مجتمع إلى آخر، وبطبيعة الحال لا تكاد تخلو منها «الأنظمة السياسية والإدارية» في غالبية بلدان العالم؛ ومما لا شك فيه أن الفساد يعد من أخطر الآفات الاجتماعية التي تعوق تقدم المجتمعات وتحضرها وتنميتها، بالإضافة إلى أنها تقوض ثقة الشعوب في أنظمتها وحكوماتها، الأمر الذي بدوره يؤدي إلى التخوين والتهوين من قطاعات الدولة، العامة والخاصة، على السواء من قبل الشعوب المقهورة، ومن ثم تكون نتائجها وآثارها مدمرة للاقتصاد بكافة قطاعاته وأشكاله، سواء الاستثمارية أو المشاريع الاقتصادية بجميع مستوياتها الكبرى والمتوسطة، بالإضافة إلى المعاناة الإنسانية من قهر وعذابات الشعوب، الناجمة عن المشكلات الأخلاقية المصاحبة لهذه الظاهرة المنبوذة «ديناً وخلقاً».
إن ظاهرة الفساد الإداري وما ينطوي عليه من آفات، كالإهمال واللامبالاة بحياة البشر، ناهيك عن الرشوة والمحسوبية بكافة أشكالها، بكل أسف، آخذة في التنامي وتتسع رقعتها أممياً وفي دول عربية عدة، سواء كانت هذه الدول غنية أو على خلاف ذلك، الأمر الذي أدى بدوره إلى احتجاجات شعبية واسعة ومتواصلة في منطقتنا العربية منذ شهور وإلى الآن؛ منددة بالفساد والذي هو عامل رئيسي زاد من معاناة هذه الشعوب وبؤسها وتهميشها.
إن المأساة الكبرى والتي حدثت للبنان الشقيق بسبب الانفجار الهائل الذي وقع في مرفأ العاصمة اللبنانية، والذي خلف عدداً كبيراً من الضحايا والجرحى وتسبب في أضرار مادية جسيمة، ما هو إلا نتيجة حتمية لآفة الفساد المستشري في جسد الدولة اللبنانية، والإهمال والفساد الإداري الذي يئن تحت وطأته الشعب اللبناني العربي المغلوب على أمره منذ سنوات.
هذا الفساد المستشري أكده وبرهن عليه من قدموا استقالاتهم من المسؤولين بعد وقوع الحادث المؤسف، الذي هز بيروت، وزعزع أمنها، وفجع سكانها ومحبيها في لبنان والخارج.
إن دولة الإمارات العربية المتحدة، وكعادتها على نهج ودرب المؤسس الباني زايد الخير، طيب الله ثراه، ومنذ بداية اللحظات الأولى لبث نبأ انفجار المرفأ في بيروت، تسابقت وتضافرت فيها جهود الجهات الرسمية والخاصة والأفراد والأعيان لمساندة وإغاثة المتضررين في كارثة بيروت، حيث وجه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد وصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد بإرسال مساعدات وبشكل فوري إلى لبنان.
وفي أروقة الأمم المتحدة، جددت دولة الإمارات دعمها للشعب اللبناني، وذلك في جلسة الإحاطة الافتراضية حول الوضع الإنساني في لبنان، عقب الانفجار المأساوي، كما انضمت الإمارات عقب وقوع الانفجار مباشرة إلى كل من، منظمة الصحة العالمية والاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر، لإرسال 30 طناً من الأدوات الجراحية وعلاج الصدمات والإمدادات الطبية الأخرى إلى لبنان، وذلك من دبي، والتي تضم أحد أكبر مراكز الإمدادات والخدمات اللوجيستية التابعة للأمم المتحدة، فضلاً عن الرحلات الإضافية التي تواصلت على مدى الأيام الماضية، وكانت برعاية كريمة من سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك.
وبدوره، وجّه سمو الشيخ حمدان بن زايد، هيئة الهلال الأحمر الإماراتي، بكفالة الأيتام الذين فقدوا معيلهم في انفجار مرفأ بيروت، إلى جانب رعاية أسر المتوفين والضحايا، وتوفير احتياجاتهم الحياتية، وصيانة منازلهم وممتلكاتهم المتضررة من جراء الحادث.
وتشمل المبادرة كل الأسر التي فقدت أحد أفرادها أو أكثر في الحادث، ضمن استجابة الإمارات الإنسانية لصالح الأشقاء اللبنانيين المتأثرين من حادثة الانفجار، معلناً سموه عن أن المبادرة تنم عن حرصه شخصياً على توفير رعاية شاملة للمتضررين، مع التركيز على الشرائح الضعيفة، وفي مقدمتهم الأيتام، مشيراً إلى أن الهيئة تعمل حالياً بالتنسيق مع منسقية العون الإنساني في سفارة الدولة في بيروت، لحصر الأيتام وأسر المتوفين والضحايا، وتحديد أولوياتهم من الدعم والمساندة في هذه المرحلة، ومن ثم وضع برامج مستقبلية تراعي احتياجاتهم ومتطلباتهم الصحية والتعليمية والحياتية بصورة عامة.
يقيناً ومما لاشك فيه فإن دولة الإمارات العربية المتحدة، قيادةً وشعباً، تقف وبكل معاني الإنسانية والأخوة إلى جانب الأشقاء في لبنان في هذه المحنة العصيبة التي ألمت بهم وفجعتهم. خالص التعازي وصادق المواساة لأسر الضحايا، ودعواتنا الخالصة بالشفاء للمصابين، وأن تعود لبنان العربية إلى حضن أشقائها العرب في المستقبل القريب إن شاء الله تعالى.