“الواقع الجديد” الجمعه 7 اغسطس 2020م / نورا المطيري
ما إن حضر أغسطس 2020 يحمل على جناحيه بشرى حقن الدماء في اليمن ، ووقف التصعيد بين الشمال والجنوب، بتسريع تنفيذ اتفاق الرياض، بمبادرة سعودية كريمة، ودعم إماراتي، وإعلان الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي.
تكليف معين عبدالملك، بتشكيل الحكومة الجديدة، وتعيين محافظ أحمد حامد محافظا لمحافظة عدن وتعيين اللواء محمد أحمد الحامدي مديرا عاما لشرطة محافظة عدن، حتى جنّ جنون الأشقياء، الذين حاولوا على مدار شهور تعطيل اتفاق الرياض، بل حاولوا دفنه حيا.
من بين هؤلاء، ليس فقط عملاء الحوثية الإرهابية التي تعلم أن إتفاق الرياض سيقصم ظهرها الذي تستند عليه لسنوات، وليس أيضا بعض الفاسدين الذين يحاولون إطالة أمد الحرب وإستنزاف اليمن ومقدراته، والتحالف العربي.
بل أيضا دويلات صغيرة موسومة بتمويل الإرهاب تستخدم منصاتها الإعلامية، وبعض منظري السياسة الذين إحترقت أوراقهم، للتشكيك في نوايا الرياض، ونوايا الطرفين المتفقين شكلا وموضوعا.
يقول اليساري مدّعي السياسة والديمقراطية، أن “الإنتقالي يوقع الإتفاقيات تكتيكيا ويخرقها بسهولة في الطريق إلى غايته، لأن هدفه واضح وكذلك هدف داعميه ويخوض معركة واحدة، وتوقع الشرعية الإتفاقيات ليس ضمن إستراتيجية لتحقيق هدفها بل بضغط من داعمها حليف داعمي الإنتقالي وتخوض عدة معارك في الوقت ذاته”، ولا نعرض ما قاله لأهميته على الإطلاق، بل للتعرف على الفكر والمخطط الذي يوجهه فيقلب بوصله 180 درجة لأجله.
مع أنني رأيت قبل سنوات، في العام 2012، خلال برنامج في العمق على قناة الجزيرة، رأيا مختلفا لهذا المدعي، يدعم فيه بقوة، حسب المخطط آنذاك، أهمية منح الجنوب العربي الحكم الذاتي، وأهمية دعم تميزه في هويته وسياسته، حين كان الراحل علي عبدالله صالح، خصمهم اللدود.
القراءة المتمعنة في التناقض الشديد، لأعداء إتفاق الرياض، بل للرياض نفسها، يجعلهم يبدلون وجهات نظرهم حسب ما تحققه الرياض من إنجازات، أي أنها ليست مرتبطة بنظريات الفكر والديمقراطية، ولا بالإنسانية، ولا بالهموم العربية، أو بالتحليل الإستراتيجي، بل هي فقط معاكسة الرياض وكذلك أبوظبي، في كل ما يفعلانه لمصلحة الأمتين العربية والإسلامية، دون أدنى شعور بالمسؤولية تجاه الدماء التي حقنتها الرياض، فيحرضون على إثارتها ونثرها ودون أي إعتبار، للحالة الإنسانية المزرية التي يعيشها اليمن بشطريه، أو العاصمة المحتلة صنعاء.
هذا النموذج من المدّعين اليساريين، تجد له في ذات المنظومة، الموجهة من وكر إرهاب مركزي، نموذجا مشابها من المتطرفين اليمنيين، كالإخوان المسلمين، الذين وقفوا طويلا في وجه إتفاق الرياض، وحاولوا بكل الوسائل إفشاله ووأده، ولكن أهداف هؤلاء تتسع على مستويات عدة من الأهداف، أقلها تحويل اليمن لمستعمرة عثمانية إخوانية، تعيش جنبا إلى جنب مع الإحتلال الحوثي، وقد حاول الطرفان، تأليف مسرحية هزلية مؤخرا، تعكس إختلافهم في الساحة الإقليمية، ولكن لحسن الحظ، وبسب هشاشة نص وسيناريو تلك المسرحية، بدا أن الطرفين مضحكين، وهما يتبادلان التهم، حول حقوق ومكانة كل منهما لدى قطر وتركيا..!
كنا نظن أن تسريع تنفيذ إتفاق الرياض يقلق الإخوان والحوثية فقط، أما اليوم، فإن دخول المدّعين من اليسار، عرضيا، للتشكيك في نوايا المجلس الإنتقالي الجنوبي، وكذلك في الشرعية اليمنية، يكشف بما لا يدع مجالا للشك.
أن اليمين المتطرف واليسار الأعمى المتبجح، صنوان متشابهان، لن يتركا بارجة السلام تعبر بسلام.
الهدف من إتفاق الرياض، واضح كبيان الشمس، بأنه مرحلة ستؤدي إلى مرحلة أخرى أكثر أهمية، أقلها توحيد الجهود لإنهاء التمرد الحوثي، وحين ذاك، وسواء إستمر العمل المشترك، بين الشرعية والإنتقالي، وسواء حصل الإنتقالي لاحقا على حكم فيدرالي ذاتي، أو تقدم نحو الأمم المتحدة، لإستعادة مقعده المحجوز هناك، فإن بحث هذه المسألة الآن، هو ضرب في الرمل لإثارة الغبار فقط.