الجمعة , 15 نوفمبر 2024
fb_img_1475289523860

حديث الذكريات مع الأخ عمر علي عمر مبارك بن كردوس ” الحلقة الرابعة “

 

((الواقع الجديد)) الاربعاء 26 اكتوبر 2016/ خاص

حاوره : أ. علي سالمين العوبثاني
” الحلقة الرابعة “

 

في الحلقة السابقة تحدث ” أبو علي ” عن التدرج في العوائد والسوارح التي كانت مثار نقاش معه ، وقد سلط الضوء على الكثير مما كان سائدا من أحكام ومسائل تؤدي معظمها لحلحلة المشكلات وتصفية الخواطر بالطرق الودية والتعامل الحسن بين الناس أو بالأحكام التي تنظم حياتهم .

وفي هذه الحلقة سوف نتطرق إلى بعض الجوانب التي لم نخض في مضامينها بالحلقتين السابقتين .

(س) ماذا عن المراجع والمجالس في ذلك الزمان ..والكيفية التي تتم بها إصدار وتنفيذ الأحكام العرفية ؟

(ج ) قبل الخوض في تفاصيل الطرق والآليات التي تصدر وتنفذ بموجبها الأحكام نتوقف قليلا عند الشخصيات التي تصدر هذه الأحكام وكذلك المجالس التي تتم فيها الأحكام ، وكما هو معروف في الماضي ، الأحكام لا تصدرها إلا مراجع ذات حكمة ومن ديار معروفة ذات ثقل قبلي واجتماعي تمكنها من إصدار وتنفيذ كل قراراتها وفق الأعراف والعوائد ، و تلك المراجع من أكثر الناس التزاماً بالأعراف ، وكان لا هم لها إلا الكرامة والرفعة والشرف والصلاح بين الناس بموجب ما قطعته على نفسها من عهود ومواثيق ثقيلة بالشروع الوافية تجاه الآخرين .

أما المجالس التي تصدر فيها الأحكام لها هيبتها وقيمتها وأيضا آدابها ، يعرفها ويحترمها الجميع آنذاك ، وكان الناس فيها سواسية القريب والجنيب ، حيث لا يحق لأحد الكلام فيها إلا بإذن الحاكم ، والحديث يكون مقتصرا فقط على صاحب الدعوى وهويجه ( خصمه ) أما الحاضرين فيمنع عليهم الكلام أثناء الجلسة ومن أراد من الأطراف استشارة أحد مرافقيه يقوم بالاستئذان من الحاكم ويخرج معه خارج المجلس لاستشارته في أمر متعلق بالقضية .. ثم يعودا إلى الجلسة بعد ذلك ، والكلام يكون في إطار القضية المنظورة فقط ،لأنه لا يسمح بتناول أي كلام خارج الدعوى ، ويلتزم الجميع بالأدب وعدم رفع الصوت ، لأن مجرد الحديث بأسلوب لا يتناسب مع الجلسة يجعل صاحبها عرضة للتوبيخ والعقوبة ، وفي حالة صدور كلمة غير محسوبة من أحد الحاضرين قد يصدر بها حكم عليه . وأيضا تجد هذا الحاكم حريص ودقيق في كل خطوات سير القضية من العدائل التي تجبر الأطراف على التنفيذ (أي قيمة العدائل تفوق مبلغ الدعوى ) . و تجده حريصاً على أن يكون حكمه ملائما للوثر (ساس القضية ) والدعوى والجواب والحجج ، وملتزم بمبدأ العدل بين الغرماء ، ويخشى من أن يزوفه أحد الأطراف ويسقط حكمه .. لأنه بمجرد تكرار سقوط أحكامه ستشاع أخباره وقد يترتب على ذلك خسارة مكانته .

و أثناء السير في القضية قد يشعر الحاكم بأن أحد الطرفين عديم لسان أي لا يحسن الدفاع عن حقه ،وخصمه ذو خبرة وطلاقة لسان ، في هذه الحالة يطلب الحاكم منه أن يوكل شخص آخر ذو خبرة حتى لا يُظلم ، لكون كما ذكرنا بأن من أساسيات الحكم أن يكون مبني ومطابق للدعوى والجواب .

هنا أستاذ علي بإمكانك أن تتخيل هذا المشهد أنت وقراءك الكرام ، وتفكرون في هذه الشخصيات من مناصب وحكمان ومقادمة ، هل يا ترى سيسمحون لفرد لا يحترم نفسه بالتمرد عليهم ؟ الجواب بالتأكيد لا .وبالتالي فإن من يفكر مجرد التلاعب بهذا العرف يحسب ألف حساب لتلك القامات والرجال الملتفة حولها ، لذا نجد الجميع يقوم بتنفيذ ما يصدر بحقه من أحكام وغيرها دون مماطلة أو تسويف .. نسأل الله العلي القدير المغفرة والرحمة لأولئك الرجال الذين ساهموا في حفظ حقوق الآخرين وأرسوا دعائم المحبة والمساواة بين الجميع ورعوا تلك القيم السامية في ذلك الزمان .

و هنا أستاذ علي يمكنني أن أعطيك مثالاً : إذا دخل طرفي النزاع عند حاكم ما ، ووجدا هذا الحاكم حازما في أوامره مدرك لكل ما يفعل ويقوم بتنفيذ خطوات العرف المتبعة أثناء سير القضايا ومجلسه محكوم ، فالنتيجة ستكون ايجابية بكل تأكيد أي (حكم صائب = قابل للتنفيذ ) .

أما إذا كان الحاكم ليس كذلك ومجلسه على عكس ما ذكرنا ، فالنتيجة الحتمية ( حكم غير صائب = غير قابل للتنفيذ ) .

أما طرق تنفيذ الأحكام سبق وأن نقلنا لكم صورة عن كيفية إجبار المُدعى عليه في الحلقة الثانية بالجلوس للحق وهو (حينها لا يزال متهما ) فما بالكم وقد صدر بحقه حكم بعد إدانته .

وكما هو معروف بعد صدور الحكم ، يطلب الحاكم من طرفي القضية تصليب ( الحكم )أي الموافقة عليه والالتزام به ، إذا وافقا على ذلك يطلب الحاكم من الطرف الذي صدر عليه الحكم التنفيذ الفوري في الجلسة ، إذا قبل الحكم وكان الحكم غرامة مالية أو مدفوعات نقدية وتعذر عليه التنفيذ حينها ، يطلب من أحد أقاربه الحاضرين والمعتبرين أن يرتحل ( يكفل ) عليه بالتنفيذ خلال فترة يحددها الحاكم ، إذا تعهد الكفيل بتنفيذ الحكم يصبح المبلغ غُرم (دين ) عند الكفيل .وهنا تطلق عدالته وينتهي الأمر . أما إذا لم يجد كفيل أو أن الحكم تترتب عليه إعادة مظالم في أرض أو غير ذلك ، فإن التنفيذ يتبناه الحاكم الذي تقع عليه مسئولية متابعة أحكامه التي يصدرها وذلك من خلال العدائل التي لا تُطلق إلا بالتنفيذ .وكذلك الضغط الذي يمارسه الحاكم على المطلوب عبر أقربائه .

وفي حالة تزويف الحكم من قبل أحد الأطراف ، يتم إتباع الخطوات المتعارف عليها في تزويف الأحكام العرفية التي ذكرناها في الحلقة السابقة .

نلتقي بكم في الحلقة الخامسة بمشيئة الله تعالى ..تمنياتي لكم قرائي الأعزاء الصحة ودوام السعادة والعمر المديد .

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.