“الواقع الجديد” الأربعاء 20 نوفمبر 2019م /خاص
عاودت الميليشيات الحوثية إجبار من تبقى من المؤسسات والشركات وأصحاب المتاجر والمطاعم والأسواق والمشافي وغيرها، على وضع صناديق تابعة لها، مخصصة لجمع التبرعات لما يسمى «المجهود الحربي» من جهة، و«مؤسسة الشهيد» لدعم أسر قتلاها الذين لقوا حتفهم في عدد من المعارك على يد القوات الحكومية، من جهة ثانية.
الاقتحام الذين قال شهود إنه فُرض بـ«القوة الجبرية»، يعد استكمالاً لخطة حوثية شاملة وضعتها الميليشيات سابقاً، ونفذت من خلالها حملات ميدانية استهدفت ملاك مؤسسات وشركات، وأصحاب متاجر، وألزمتهم بوضع الصناديق بمحالهم، وجمع التبرعات النقدية لصالحها، في خطوة ابتزازية أخرى اعتادت الميليشيات على القيام بها بصورة مستمرة.
وأكد تجار في صنعاء أن الميليشيات استهدفت منذ منتصف الأسبوع الماضي عدداً كبيراً من التجار وأصحاب المحال التجارية والمتاجر الصغيرة والسوبر ماركت والمولات والمطاعم في عدد من مديريات صنعاء، الذين لم تشملهم حملة النزول السابقة، على وضع صناديق مخصصة في محالهم بالقوة لجمع التبرعات لصالح أسر قتلاها وحروبها العبثية التي شنتها، وما زالت تشنها، ضد اليمن واليمنيين.
بدورهم، أكد عدد من التجار في صنعاء، لـ«الشرق الأوسط»، أن مسلحين حوثيين قدموا إلى محالهم خلال أربعة أيام ماضية، وبحوزتهم عدد من صناديق جمع التبرعات، ووضعوها تحت قوة السلاح والتهديد في محالهم دون حتى أخذ إذن مسبق منهم.
وقال التجار، إن عناصر الميليشيات باشرت بنفسها وضع الصناديق داخل محالهم، وطلبت منهم دعوة المواطنين (الزبائن)، وحثهم على تقديم التبرع النقدي لهذه الصناديق.
وتطرق التجار إلى أن عدداً كبيراً من أصحاب المحال أبدوا امتعاضهم من وضع صناديق جمع التبرعات بمحالهم تحت قوة السلاح، ليقينهم أن الأموال التي سيتم جمعها ستذهب لقتل الأبرياء والمدنيين والمزيد من العبث بمقدرات الوطن، لكنهم لم يستطيعوا رفض وضعها خوفاً من بطش الحوثيين، واتهامهم بالعمالة.
وأشار أصحاب المتاجر، الذين فضلوا عدم ذكر أسمائهم، إلى أن عناصر الميليشيات قالت لهم إن هذا العمل يعد إسهاماً وطنياً وشعبياً، وسخر التجار أيضاً من قول الحوثيين إن ذلك يصب «في دعم المجاهدين الذين يقومون بصد الاحتلال الأميركي والإسرائيلي عن الأراضي اليمنية».
في الوقت نفسه، يخشى التجار وأصحاب المحلات من أن تتخذ الجماعة صناديق جمع التبرعات، التي فرضتها عليهم حديثاً، أداة لممارسة المزيد من الابتزاز أو اتهامهم بسرقة التبرعات.
وذكر أحد التجار أنه لم يكن يرغب في استضافة صندوق التبرعات، لكن اللجنة التي أحضرته، اتهمته بأنه «داعشي، وموال لليهود والنصارى وخائن»، ما اضطره للقبول بالأمر الواقع.
وأكد التاجر نفسه عزوف الأهالي عن وضع أموالهم في الصناديق الحوثية، خصوصاً عندما يعرفون أنها تتبع الميليشيات، بالإضافة إلى الوضع الاقتصادي المتدهور للناس، بسبب فقدانهم المرتبات ومصادر الدخل، ما جعل الغالبية غير قادرين على التبرع.
بدوره، قال مالك متجر أغذية في صنعاء إن صناديق جمع التبرعات الحوثية تشهد عزوفاً كبيراً من مرتادي محله ومحال تجارية أخرى. وأشار إلى أن أغلبية المواطنين يظهرون استياءهم حين يفاجأون بوجود الصناديق الحوثية، ولا يخفون سخريتهم منها.
وتساءل مواطن في صنعاء: «ألا يكفي الميليشيات ما نهبته من قوتنا ومدخراتنا ودولتنا ومؤسساتنا ورواتبنا، وسرقتها حتى الخبز من أفواه جائعينا، لتلحق اليوم بنا حتى إلى (السوبر ماركت) والمطعم وغيره من المحال المختلفة لتطلب التبرع لصالحها». وأضاف: «نحن شعب كريم، ولا يعني إعراضنا عن التبرع لصناديق الميليشيات بأننا شعب بخيل إطلاقاً، ففي السابق كانت توضع صناديق لفلسطين وأخرى ليمنيين منكوبين نتيجة الزلازل والكوارث الطبيعية ومرضى السرطان والأمراض المزمنة وغيرها، وكنا نتسابق جميعاً لتقديم الدعم المادي السخي لها دون كلل أو ملل».
وعقب فشل جهود الميليشيات الانقلابية في الحصول على تبرعات بصناديقها المخصصة «للمجهود الحربي وأسر قتلاها»، أقدمت، وبطريقة لصوصية، على سرقة المئات من صناديق التبرعات التابعة لجمعيات ومؤسسات أخرى، خصوصاً بعد أن رأت الفارق الكبير بين عدم إقبال المواطنين على التبرع لصناديقها، وإقبالهم بشكل كبير على التبرع لصالح تلك الصناديق الخيرية.
وكشف مسؤول أنشطة بجمعية خيرية بصنعاء، لـ«الشرق الأوسط»، عن سرقة الميليشيات الحوثية للمئات من الصناديق الخيرية التابعة لعدد من الجمعيات والمخصصة لدعم الأيتام، وذوي الإعاقة، والأسر الفقيرة والحالات المرضية المختلفة، ودعم القضية والشعب الفلسطيني.
واعتبر المسؤول، الذي فضل عدم الإفصاح عن هويته، أنه ونتيجة الجشع الحوثي المتواصل، عملت الميليشيات على نهب تلك الصناديق، وهي أموال ليست ملكها، ولا تابعة للجمعيات، ومخصصة للفئات اليمنية الضعيفة، من خلال كسر المئات من الصناديق في أماكن مختلفة في صنعاء ونهب كل ما بداخلها من تبرعات.
بالمقابل، عبر موظف بمكتب الشؤون الاجتماعية بصنعاء، لـ«الشرق الأوسط»، عن استنكاره الشديد لاقتحام الميليشيات، منذ انقلابها، العشرات من المؤسسات والمنظمات المدنية، ونهب محتوياتها، ومصادرة أموالها وحساباتها.
وقال الموظف: «من العيب أن تقتحم تلك الميليشيات، وهي على رأس السلطة، مبنى مؤسسة أو غيره من أجل صندوق تبرعات صغير، والعجيب أنها تعتدي على المؤسسات المدنية، وتنهب وتصادر كل محتوياتها وممتلكاتها».
وأكد أنه لا توجد إحصائية دقيقة، حتى اللحظة، تبين عدد الصناديق الحوثية المنتشرة في مؤسسات العاصمة صنعاء وبقية المناطق القابعة تحت سلطة الميليشيات، كما لا توجد أيضاً إحصائية توضح عدد المؤسسات والجمعيات التي طالتها يد العبث والنهب والمصادرة الحوثية.
وأضاف: «رغم أنه كان لدينا قبل الانقلاب أكثر من 8 آلاف مؤسسة وجمعية ومنظمة تنموية ومجتمعية وخيرية، لكن لم تقم أي سلطة أو جهة حينذاك بأي عمل مخزٍ وجبان حيال تلك المؤسسات مثلما قامت وتقوم به الميليشيات الحوثية الانقلابية».
وحسب مراقبين ومهتمين محليين، تعاني الميليشيات الحوثية، في الوقت الحالي، من ضائقة مالية كبيرة؛ خصوصاً بعد إنفاقها، وببذخ كبير، للمليارات التي نهبتها من اليمنيين ومؤسساتهم الحكومية في احتفالياتها بالمولد النبوي.
وقال المراقبون والمهتمون المحليون، في لقاءات مع «الشرق الأوسط»، إن جبهات الميليشيات الحوثية تعيش اليوم شحاً حقيقياً في الدعم، خصوصاً المواد الغذائية، مشيرين إلى أن ذلك يأتي بعد عزوف عدد من القبائل في تقديم الدعم وتسيير القوافل الغذائية لجبهات الميليشيات، وكذا رفض شريحة كبيرة من اليمنيين، خصوصاً التجار، في رفد جبهات الميليشيات بالمؤن الغذائية.
كانت الميليشيات أقدمت، قبل فترة قصيرة، على تنفيذ حملات ابتزاز ونهب واختلاس واسعة استهدفت من خلالها معظم الشرائح والفئات اليمنية، دون استثناء، بهدف الإنفاق على احتفاليتها الطائفية من جهة، واستكمال تمويل حروبها العبثية ضد اليمنيين من جهة ثانية.