((الواقع الجديد)) وكالات – الأربعاء 19 أكتوبر 2016 / دمشق
الحجارة تتشكل ببطء لترسم بمخيلة المشاهدين ما يرغب بدر بعرضه، للوهلة الأولى ترى القصة، أطفال في المدارس المهدّمة بفعل الحرب المستمرة في سوريا، لاجئون يحملون ممتلكاتهم وأطفالهم فوق أكتافهم وهم راحلون، قبلة بين حجرين آخرين تذكّر الجميع بأنه لا يزال هنالك أمل في نفوس البشر، وأن “الفن هو حالة داخلية تجمع الحب والالم والفرح وهو رسالة انسانية عن سر عظمة سوريا.”
تنوعت المواضيع التي طرحها علي بدر، بين الحب والأمل والتفاؤل وبين الحزن واليأس والقهر، ليبرز “الفقير” و”الفاسد” و”الجحش” في أعماله، وفقاً لما يحب وصف الشخصيات الظاهرة فيه، ويحاول أن يصون أعماله لتصبح بمثابة “إرث حضاري للأجيال القادمة.”
تواصلنا مع الفنان نزار علي بدر أو “جبل صافون” كما يحب وصف نفسه، تيمناً بتسمية الجبل الأقرع، إليكم إجاباتها عن أسئلتنا في حوارنا معه عبر فيسبوك:
كيف بدأت تشعر بالرابط مع الفنون؟ كم كان عمرك عندما دخلت في مجال الفن؟ وكم عاماً قضيت فيه؟
كانت الأصابع الغضة تقبض على سكين وباليد الاخرى كتلة من الصلصال حفرت بها ما بداخلي. شيء ما في داخلي كان يحرضني على تشكيل الحجارة ونحتها، وبعد مرور الزمن على ذلك الطفل الذي قضى غالبية أيامه بين بساتين وسواقي قريته “بسنادا”، اكتشفتُ أن المحرّض الاساسي هو الجينات التي ورثتها عن أسلافي الأوغاريتيين. نزار علي بدر أو جبل صافون (كما أحب بعيدا عن الالقاب والتعظيم). أنا الإنسان الضائع في هذا الزمن المجنون.
كيف تغيرت فنونك في المرحلة السابقة للحرب وخلالها؟ هل تغيرت المواضيع التي تطرحها؟
أعمالي النحتية خلال الحرب جميعها تحمل طابع الحزن من خلال الايحاءات التي أعطيها لكل عمل وسياتي يوم سأنحت الفرح والحمائم. اقمت وشاركت بالكثير من المعارض في سوريا _ معرضي الأخير ولازال قائما على سطح منزلي بمناسبة، انتقال الإله بعل من أوغاريت واعتلاء عرشه في جبل صافون.
لماذا فكرت أن تستخدم الحجارة أداة لتجسيد أفكارك ومشاعرك؟ وكيف خطرت ببالك هذه الفكرة؟
كان هدفي الأول، ورغم الظروف القاسية التي نحياها، والتي أعيشها شخصيا ً، أن أُثبت للعالم أن السوري ابن الحضارة لا يمكن ان يقف متفرجا او لاجئا ينتظر من يحن إليه … 25 ألف عمل ويزيد، شكلت خلال 6 سنوات، لم أترك أمرا أو تصورا إلا وشكلته. نحن السوريون نكبر بانتمائنا لسوريا هي وأوغاريت مسقط رأسي.
من أين تأتي بهذه الحجارة؟
جبل صافون _ هو الجبل الاقرع المحتل مع لواء اسكندرون من قبل السلاجقة الأتراك، ولن يكون الا جبلا سوريا. وهو عرش الإله بعل في الديانات السورية القديمة يبعد عن مركز مدينة اللاذقية 60 كيلومتراً.
أما حجارة صافون، فغسلت دهورا تحت اقدام صافون، عاصرت أجمل حضارة، حضارة أوغاريت المملكة السورية العريقة، التي أنارت درب البشرية بأبجديتها المسمارية، وما حجارة صافون إلا الأبجدية الثانية لأوغاريت خلال ست سنوات من الحرب والدمار.
ما الذي تحاول تجسيده بالحجارة؟
سر الابداع هو (المحبة) لا اعرف الكره ولن أعرفه ولن تكتمل الانسانية الا بالمحبة والتصاقي الدائم بالأرض. حجارتي أنا من أطلق عليها هذه التسمية “حجارة صافون” وأعمالي وتشكيلاتي بها غير مسبوقة عالميا، الطبيعة السورية الخلابة وجبالنا الشامخة وسواحلنا غنية بأجمل الاحجار وهي مصادري لجمع الحجر.
من هو الفاسد في أعمالك؟ ومن هو الفقير؟ ومن هو “الجحش؟” ومن هو الشهيد؟
الفاسد في اعمالي هو من خلع ثوب انسانيته واستغل كرسيه لمآربه الشخصية وكانت نظرته للشعب كقطيع من الاغنام هو ضعيف النفس مريض ويجب معالجته. وجه لي سؤال “من هو الجحش؟” سأجيب وبكل فخر، هو من باع نفسه للشيطان، هو من لم يحافظ على ارضه هو من فتح يديه ورحب بالغرباء، هو من جلس يترفه ونسي الفقراء، هو عديم الضمير والاخلاق إذاً هو لا يستحق ان يكون انسانا ً، هو من لم يقرأ التاريخ السوري المشرّف.
ما هي القضية الكبرى التي تفكر فيها دوماً؟
الهم والامل يلتصقان بي. اتمنى ان يحل السلام في سوريا لأننا تعبنا كثيراً، سوريا كبيرة تتسع لكل انسان عشقها وانتمى اليها تعالوا يا اخوتي لنبني وطننا على المحبة والتسامح.
حدثنا عن أعمالك الأخرى في مجال النحت، ما هي القصص التي تحاول أن ترويها في هذه الأعمال؟
انشر رسالتي الانسانية، فهل وصلت رسالتي ولامست ضمير كل من لم يخلع ثوب انسانيته خلال الحرب الكونية على وطني، وطن الشمس، سوريا السيدة. اسماء كثيرة تليق بها، لم يكن يوما المال او الاعلام غايتي من خلال نشري لأعمالي، بل ايصال رسالة السوري الانسان الذي ذاق الامرّين من تدمير وقتل وذبح وتهجير وتهميش وجوع. حملت راية الفقراء، واقسمت أن تبقى مرفوعة في وجه الظلم.
هل هنالك صعوبات تواجهك لتنفيذ أعمالك وسط الحرب السورية؟
أعاني من جمع الحجارة ونقلها، ولكن أنسى تعبي برؤية انجازاتي بها، طبعا الفقراء كانوا عنواناً رائعاً في تشكيلاتي الصافونية، لان فقراء سوريا هم من صان الأرض والعرض.
هل الفن هواية بالنسبة لك؟ طريقة للتعبير عن مشاعرك؟ أم هي حرفة تمتهنها؟
خلال الثلاثين عاما، قمت بنحت الكثير من الأعمال الحجرية القاسية، ما شكل تحدياً بيني وبين الحجر وطوّعتُه ليس للرجم بل للإبداع به وابدعت بمحبتكم، لم يكون يوماً هدفي مادي أو إعلامي، تركت اعمالي عندي واحتفظت بها وصنتها كأولادي لأنها ستبقى للأجيال القادمة ارثا حضاريا يتفاخرون به، سأتركها لأبناء من ضحى في سبيل عزة وكرامة سوريا.
هنالك الأمل والحب والتفاؤل وهنالك التصدي للفساد والدفاع عن الفقراء والبؤس والحرب. لماذا تحاول التعبير عن هذه التناقضات في أعمالك؟
الفن هو حالة داخلية تجمع الحب والالم والفرح وهو رسالة انسانية عن سر عظمة سوريا. المنتمون لترابها، لكم خالص المحبة مني انا جبل صافون السوري الأوغاريتي.