((الواقع الجديد)) الخميس 13 اكتوبر 2016م
حاوره : أ. علي سالمين العوبثاني
“الحلقة الثانية ”
في مقدمتي الضافية بالحلقة الأولى ذكرت بأن هناك نظام عام كان يحكم الناس، في كل جوانب حياتهم من قضايا جسيمة مثل الاعتداء على حقوق الغير وقضايا أخرى اجتماعية ..وكان الكل يساهم في الحفاظ عليه دون أي اختراق له .
وهنا نبدأ بسؤالنا الأول الذي سيكون إستهلالاً لأسئلة قادمة .
(س ) هل كان جائزا قيام الفرد في ذلك المجتمع بأخذ حقه بيده ؟
(ج) كما ذكرت أستاذ علي في مقدمتك بوجود نظام يحكم العلاقات الاجتماعية ، حيث كانت هناك أعراف وعوائد وأحكام صارمة في الزمن القديم توارثها الأجداد في مناطقنا تنظم أمور حياتهم وتحفظ لهم حقوقهم التي يحترمها الجميع .
أما الإجابة على سؤالك: فأنه لا يحق لأي فرد من أفراد المجتمع آنذاك أخذ حقه بيده ، لوجود طرق وعوائد وأعراف يلجأ إليها من يدعي بأن له حق عند الآخر .
(س) في إجابتك أشرت بأن ثمة طرق وعوائد وأعراف يلجأ إليها من يدعي بالحق عند الآخر … يا ترى ما هي ؟
(ج) كل ما سمعته وفهمته من عقالنا الذين عاصروا بعض من تلك المرحلة وتواترت إليهم أخبار أسلافهم من القدامى ، بأن كل من يدعي إن له مظلمة أو حق لدى طرف آخر في تلك المنطقة ، سواء كان مسألة حقوقية أو اعتداء أو ضرر أو ما شابه ذلك ، يقوم بإتباع عدة خطوات نذكر منها على سبيل المثال :
إشعار الطرف المدعى عليه( بأن له حق عنده في شئ معين)ويبين له نوعية طلبه أو ما يدعي به .. إذا استجاب وتوصلا إلى حل فكان بها ، وفي حالة عدم الاستجابة يقوم صاحب الدعوى بالاستعانة بالعقال من أقارب و جيران المدعى عليه ويطلب منهم مراجعته، إذا تراجع عبر هؤلاء واقتنع ينتهي الأمر، أما إذا تمادى في إصراره فيطلب المدعي من المدعى عليه مسايرته للحق عند وافي شرع أي ( حاكم ) من خلال تقديم عدالة بحسب ( الطلابه ) بصفة رسمية بحضور هؤلاء .. إذا وافق على العدالة يتم كتابة الوثر (ساس الحكم ) من قبل أحد الحاضرين ويشمل هذا الوثر ( نوع الدعوى (القضية) –العدائل التي تتناسب مع حجم القضية – العديل الذي تؤمن العدائل بيده –الإتفاق على الحاكم –تحديد موعد الحضور أمام الحاكم ) ..وبهذا يكونا قد نزعا فتيل الفتنة واتجها للحل ، لأنه من المعروف إن الشخص الذي يقدم العدالة يعتبر جانحا للسلم لا يحق لأحد الاعتداء عليه أو على ممتلكاته( حتى وإن كان مخطئا ) .
ولكن قد يتطور الأمر إلى الرفض القطعي من قبل الطرف المتعنت لكل المساعي المبذولة .
هنا يتم الانتقال إلى المرحلة الرسمية في طلب الحق منه .. وهذه المرحلة تسمى بـ ( المرمى ) وذلك عبر إشعاره بأن صاحب الدعوى وبصحبته عقال من عدد من الديار ، قرروا موعداً لـ ( المرمى ) بتاريخ ويوم معلومين الحضور إلى منزله ويطلب منه عدم مغادرته وانتظارهم وأيضا إذا كان المدعى عليه يحتاج لجماعته أو أشخاص آخرين معه للنظر والمشورة يبلغهم بالموعد المقرر.
(هذه الخطوة في حد ذاتها تعتبر نوع من أنواع الضغط عليه ، بحكم الحالة المادية والظروف الصعبة في ذلك الزمان ، وحضورهم يلزمه واجب ضيافتهم مثلاً – وأيضا عند رفضه للمسعى يكونون الحاضرين بمثابة شهود عليه ، وبالتالي أقام الحجة على نفسه ).
وفي يوم الوعد يحضر الجميع ويطلب منه تقديم عدالة للطرف الآخر ، ويتم حثه على ضرورة الجلوس للحق ، لكون وصول القضية إلى هذا المنحى ليس من مصلحته ، وفي هذه الحالة يكون رأي الحاضرين جميعا موحدا ضده ،إلا إذا جنح للحق تتم العودة إلى مرحلة الوثر والعدائل وما يلحقها من خطوات قد سبق ذكرها آنفا .
أما إذا أستمر هذا الطرف العنيد في مواقفه المتصلبة ورفض الجلوس للحق ، يعتبر في حكم العرف ( كاسر للحق ) ويبلغه الجميع بمن فيهم أقاربه بأنه مخطئ ويتحمل مسئولية ما قد يلحق به بمفرده ،وإن رأيهم من رأي قبيلتهم في ما تقرره تجاهه من مقاطعه في ( جميع المواجيب ) أو أي قرار آخر .
وفي بعض الأحيان عندما يرى ( أصحاب الدعوى ) إن الطرف المطلوب لا يجيد التفاهم ويصعب إقناعه ، يكون المرمى لأحد عقاله أو مقدم الدار التي ينتمي إليه .. وهذه الطريقة هي الأقرب لنجاح المسعى تقريبا .
هذه الخطوات التي ذكرناها يتم اتباعها عندما يكونا طرفي النزاع من قبيلة واحدة .
أما إذا كان صاحب المطلب ( أجنبي ) أي من قبيلة أخرى ، فالمرمى يكون لمقدم القبيلة التي ينتمي إليها الشخص المطلوب .
(س) في حال أن يكون الشخص ( كاسراً للحق ) كما أشرت أنت في إجابتك ، ما هي الخطوات التي يمكن اللجؤ إليها ؟
(ج) غالبا ما يكون الناس في ذاك الزمان ضد هذا النوع من البشر ، ولا يجد من يناصره أو يؤازره أو يسانده ، لأن الغالبية الساحقة لا تصل إلى هذا الحد ، لكونهم يميلون للحلول ، وكانوا بحاجة لبعضهم البعض ويقدرون عقالهم ووجهاتهم ويحترمون أعرافهم ، أما الذي يصل إلى هذا الحد من الاستخفاف بالأعراف التي كانت سائدة ، هنا يترتب عليه إجراء ، فإذا كانت الدعوى في زروع وثمار وخريف و(نِشره )(بكسر النون) وتعني المواشي ، للمدعي الحق بالأخذ من أموال المدعي عليه بما يعادل دعواه ، ويكون هذا الأخذ – الحصاد – القطيع ( ليلاً ) حتى لا يراه الطرف الآخر منعاً للاقتتال بينهما .. وبعد حصاد المحصول أو الخريف الذي قام بقطعه يقوم بـ( توجيله ) أي تأمينه لدى شخص محايد ويبلغه بأن هذه الثمار تم أخذها من مال المدعى عليه( فلان ) ،وإن المدعي الذي أحضرها مستعدا للجلوس لانهاء القضية ، وإذا كانت المأخوذة (إبل )مثلاً ، يتم الاحتفاظ بها في مكان آمن لحين الانتهاء من القضية .وبعد وصول الأمر إلى هذا الحد يتم الضغط عليه وإلزامه بالحل لأن ما بعد هذه المرحلة سيكون الأسوأ .
أما إذا كانت الدعوى جسيمة (عدوى – تعوير..إلى آخره ) بعد كسر الحق من قبل المدعي عليه يرفع الأمر إلى مقدم القبيلة الذي بدوره يتخذ القرارات الحاسمة التي تلزم كاسر الحق بالجلوس للحل ومنها خطوة تسمى بـ ( الشراف ) بموجبها يتم ابلاغ اخوته وجيرانه بالابتعاد عنه واشعارهم بأنه كاسرا للحق ، وفي هذه الاثناء يعرف بأن الأمر قد تطور وأنه الآن اصبح في مواجهة الجميع فما عليه إلا الإذعان وإلا يتم الانتقال إلى مرحلة أخرى تسمى ( الصبيح ) وهذه المرحلة تتضمن قيام القبيلة بالتوجه إلى مطرحه ،بمن فيهم أخوانه وجيرانه والدلي بأيديهم في أمواله ومواشيه ( ذبح ) إن استجاب ينتهي الأمر ويعودون بعدالة منه للمقدم لإنهاء القضية أما إذا هرب من مواجهة القبيلة ، حينها يتم اتخاذ قرار بقطعه من القبيلة والإعلان عنه بأن (فلان بن فلان ) مقطوع من قبيلته وكذلك منعه من دخول أرضها ، وهنا يصبح طريداً ( دمه دم حنش ) علما بأن هذه الحالة تعتبر من الحالات النادرة التي لم تحدث سوى مرة أو مرتين في تاريخ قبيلة بأكملها في ذلك الزمان .
نلتقي في الحلقة الثالثة أعزائي القراء .. انتظرونا .