((الواقع الجديد)) الأربعاء 4 يوليو 2018م / متابعات
تتسارع وتيرة التحركات الدبلوماسية الرامية إلى تحريك المسار السياسي المعطّل منذ نحو من عامين في اليمن، انطلاقاً من الحديدة، التي يبدو أنها قد تتحول إلى عنوانٍ لأي صفقة سلام أو نقطة لاستئناف الحرب، في ظل الجهود التي يبذلها المبعوث الدولي إلى اليمن، مارتن غريفيث، بجولات مكوكية بين أبرز العواصم المعنية، وحمل أحدث ما توصل إليه للتفاوض مع جماعة أنصار الله (الحوثيين) في صنعاء. وفي غضون ذلك، تجددت الغارات الجوية والقصف المدفعي المتبادل بين الحوثيين والقوات الحكومية قرب مطار الحديدة.
وعزّز الحوثيون تحصيناتهم في مدينة الحديدة، مستغلين تعليق القوات الحكومية هجومها بانتظار نتائج محادثات مبعوث الأمم المتحدة في صنعاء، في وقت قتل فيه 54 شخصا في غارات جوية جنوب المدينة المطلة على البحر الاحمر. وقال سكان في مدينة الحديدة لوكالة “فرانس برس” إن “الحوثيين حفروا عشرات الخنادق الجديدة وسط شوارع رئيسية وفرعية، وحولوا حاويات نفايات ومجسمات خرسانية إضافية إلى عوائق”. وبحسب مصادر في القوات الحكومية، فإن “تعزيزات عسكرية للمتمردين الحوثيين وصلت إلى مدينة الحديدة. كما استقدمت القوات الحكومية تعزيزات إضافية إلى مواقعها عند الأطراف الجنوبية للمدينة”. وأوضحت المصادر أن “الطرفين يستعدان لخوض مواجهات جديدة بعد أيام من الهدوء”.
وأفادت مصادر يمنية قريبة من الحوثيين لـ”العربي الجديد”، بأن “شرط الانسحاب من مدينة الحديدة ومناطق المحافظة استجابة للجهود الدولية، لا يزال مرفوضاً من قبل الجماعة، في مقابل التشديد المتواصل من الحكومة اليمنية والتحالف، على أن الفرصة الممنوحة للمبعوث الأممي تتمحور حول جهود الانسحاب غير المشروط للحوثيين من الحديدة، وإن كانت مسألة رفض أي شروط، خاضعة للتفاوض، إذا ما كان التفاهم يؤدي إلى انسحاب سلمي يجنب المدينة التي يقع فيها الشريان الذي يغذي الملايين، معركة تهدد بآثار مجهولة العواقب على الوضع الإنساني، كما تقول الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية”.
وكشف مصادر أن “الجديد هو السعي لتأجيل الحل إلى المفاوضات، فيبقى الحوثيون مسيطرين على مدينة الحديدة، وربما يسلمون الميناء لمراقبين أممين، على أن تبقى قوات الشرعية في مناطق سيطرتها. ثم يُبحث موضوع الانسحاب خلال المفاوضات، ووفق المعلومات المتداولة، من مصادر قريبة من الحوثيين وفي تصريحات المبعوث الأممي، فإن الهدف هو تمديد التهدئة لتصبح الحديدة أحد مواضيع المفاوضات”. ويتمحور التفاوض حالياً حول ما إذا كان الحوثيون سيقبلون بتنازلات كافية لمواصلة التهدئة، أو أن التحالف والشرعية يقبلون بتمديد التهدئة إلى المفاوضات. والمؤكد من مصادر موثوقة هو أن الحوثيين لم يبدأوا بعد بتقبّل فكرة الانسحاب من الحديدة، وأن الحكومة والتحالف لم يبديا إلى الآن قبولاً بمسألة تسليم الميناء فقط.
وعلى الرغم من أن فرص المبعوث الأممي المتواجد في صنعاء، بإقناع الحوثيين بالقبول بالمطالب الحكومية الخاصة بالانسحاب، تبدو ضعيفة، إلا أن غريفيث يسعى، وفقاً للتسريبات السياسية، إلى الوصول بالأطراف المختلفة إلى نقاط التقاء حول استئناف المفاوضات السياسية من خلال جولة مشاورات يرتب لعقدها في الأسابيع المقبلة، مع أخذ ضمانات باستمرار توقف العمليات العسكرية المتعلقة بالتقدم نحو مدينة الحديدة والميناء. وهو ما يعني في حال التزام الأطراف المختلفة، استمرار الوضع العسكري بالاشتباكات المتقطعة والتهدئة، كما هو الحال منذ أكثر من أسبوع.
ومثلما أن التصعيد في الساحل الغربي كان ولا يزال، المحور الأهم، الذي ستترتب عليه موافقة الأطراف من عدمها على الدخول بمحادثات قريباً، وفي ظل رؤية تأجيل حل الحديدة إلى المفاوضات المرتقبة، والتي لمّح إليها أيضاً المبعوث الأممي في تصريحات سابقة إضاقة إلى مصادر قريبة من الحوثيين، فإن المؤشرات تعزز تحول الحديدة إلى عنوان محوري للصفقة التي يمكن أن تنتهي بها المفاوضات بترتيبات تتعدى الوضع في المحافظة إلى مختلف مناطق المواجهات بالبلاد، في حال نجاحها، أو تكون النقطة التي تُستأنف منها العمليات العسكرية بصورة أعنف، إذا ما فشل المتحاورون بالوصول إلى حل. والأخير هو ما حدث في الجولات السابقة التي رعاها المبعوث السابق، إسماعيل ولد الشيخ أحمد، على مدى ما يزيد عن ثلاث سنوات.
من زاوية أخرى، وفيما يتعلق باستئناف المفاوضات ذاتها، تظهر تحركات غريفيث على مدى الأسابيع الماضية، دعماً دولياً قوياً يتمتع به، تمكن على ضوئه، من فرض وقف العمليات العسكرية نحو الحديدة ولو مؤقتاً. ويعزّز هذا الانطباعَ العددُ الكبير من الزيارات التي قام بها غريفيث إلى صنعاء وعدن وعواصم دول المنطقة المعنية خلال الأسابيع الأخيرة. كل هذا يصبّ في اتجاه احتمال ذهاب طرفي النزاع إلى مشاورات قريبة، الأمر الذي لا تعزز التطورات الميدانية ومجمل التعقيدات السياسية إمكانيته، بقدر ما يعتمد على الضغط الدولي وعلى الترتيبات المؤقتة، في حال نجاح المبعوث الأممي بإبرامها بشأن الحديدة.
وكان المبعوث الدولي قد شرع منذ أبريل/نيسان الماضي بإعداد خطة السلام المقترحة والإطار العام للمفاوضات، وكان من المقرر عرضها على مجلس الأمن الدولي، منتصف يونيو/حزيران الماضي. وتفيد التسريبات، بأنها لا تبتعد عن الخطوط العريضة، التي تضمنتها مبادرة سلفه، وجاءت تطورات الحديدة لتخلط الأوراق وتفرض ذاتها كأولوية على ما دونها من الملفات.
الجدير بالذكر، أنه ومنذ تصاعد الحرب في اليمن في مارس/آذار 2015، انعقدت ثلاث جولات من المشاورات بين الأطراف اليمنية (وفدي الحكومة والحوثيين وحلفائهم)، الأولى في جنيف في يونيو 2015 والثانية في بيال السويسرية في ديسمبر/كانون الأول من العام نفسه، وما إن انتهتا حتى بدأت موجة جديدة من التصعيد العسكري. غير أن الجولة الأبرز، والتي تخللتها أكبر هدنة، كانت في الفترة من أبريل/نيسان وحتى أغسطس/آب 2016، توفر لها من عوامل النجاح، ما قد لا يتوفر بعد اليوم. لكن النهاية كانت مخيبة للآمال، وتكاد تكون النتيجة الوحيدة الإيجابية، هي وضع الخطوط العامة المقترحة لأي مفاوضات مرتقبة، بتقسيمها إلى شقين سياسي وأمني.
إلى ذلك، فإن الحديدة هي الأخرى، كانت محور مبادرة قدمها المبعوث الأممي السابق خلال عام 2017، تقضي بتسليم إدارة ميناء الحديدة إلى طرف ثالث، وهو ما رفضه الحوثيون ثم عادوا للقبول به، عقب التصعيد الأخير، إلا أن السقف بالنسبة للحكومة اليمنية، بات مرتفعاً ويشمل الانسحاب الكامل لمسلحي الجماعة، ومن المتوقع أن تشهد الأسابيع المقبلة، تطورات حاسمة، في كلا الملفين: الحديدة وإطلاق جولة جديدة من المفاوضات.