((الواقع الجديد)) الاثنين 12 مارس 2018
سمير عطاالله
الآن أستطيع أن أهتف بدوري «وجدتها. وجدتها». وفي الواقع إنني لم أكن أبحث عنها إطلاقاً، ولا خطر لي مثل هذا التحدّي. ولو أنه خطر لصرفته عني بسرعة لكي لا أظن أن بي مساً. لقد وجدت سر «المعلمين» الكبار في الفلسفة والفكر والإصلاح. وفقط عن طريق الصدفة عرفت ماذا يجمع بين كونفوشيوس في الصين، وحمورابي في العراق، وسقراط وأفلاطون في اليونان.
ولا بد من اعتراف. لطالما ترددت، بل تمنعت، عن قراءة نصوص أولئك السادة، ظناً مني أنه عمل صعب. والأفضل أن أقرأ شروحه ومختصراته لكي لا أقحم نفسي في تحد أوسع من طاقتي. ثم «اضطررت» لقراءة كونفوشيوس عندما وضعت «أوراق السندباد» لأن بطلي يمر بالصين ويقابل الإمبراطور ويصغي في مجلسه إلى الحكماء. وذات مرة عثرت على نسخة قديمة من «حمورابي»، فاشتريتها «للفرجة»، ثم وجدتني أقرأها سطراً سطراً. وتبين لي أن من المعيب الاستمرار في النقل عن أفلاطون والاكتفاء بالأسطر التي تناسب الاقتباس. وأقدمت.
ورأيت نفسي أدخل عالماً مضاعف المتعة والقيمة. إن هؤلاء السادة يتحدثون بلغة واضحة بسيطة ومباشرة لأنهم كانوا «معلمين». والتعليم شرطه الأول الوضوح. وما ليس واضحاً لك فلا يمكن أن تتعلمه.
تشكو الأسر المصرية من كثرة وكلفة «الدروس الخصوصية»، أي المدرِّس الذي يأتي إلى المنزل ليشرح درساً تلقاه الابن في المدرسة ولم يستوعبه. كونفوشيوس كان يقود تلامذته إلى الحقول ليعلمهم في الطبيعة الجميلة. وهذا التقليد تتبعه مدارس أوروبا اليوم عندما يذهب طلاب الجغرافيا والتاريخ في رحلات خاصة إلى الأماكن المعنيّة. ولا شك أنك صادفت في الأندلس فرقاً من الطلاب مع أساتذتهم – وليسوا مع الأدلاء – يشرحون لهم، على الطبيعة، ما قرأوه في الكتب.
لغة العموم هي الوضوح، للعلماء والمخترعين والذين يرسلون إلى المريخ جندياً صناعياً يحط وينط ويلتقط الصورة، ثم يرسلها إلى الأرض، لغة خاصة لا يمكن لأمثالي فهم ألف بائها ولو صرفوا في ذلك عمراً أو دهراً.
لذلك، أدرك «المعلمون» الكبار أنه لكي تصل أفكارهم إلى الناس وتبقى، لا بد أن تمرّ أولاً في مختبر البساطة والوضوح. ما لم يكن كذلك، فلم يصل إلينا. وما كان «نصف نصف»، وصلنا منه النصف الواضح