((الواقع الجديد)) الجمعة 9 مارس 2018 / متابعات
سلمان الدوسري
منذ بدء العلاقات السياسية بين السعودية وبريطانيا قبل مائة عام وتحديداً في 1915، عندما وقع الملك عبد العزيز والحكومة البريطانية معاهدة القطيف، مرت هذه العلاقات بسلسلة من الانعطافات والتوترات والتقارب وصولاً للتحالف، غير أنها طوال هذه الفترة الزمنية الطويلة جداً في عمر الدول، حافظت المملكتان على مصالحهما سوياً، ويمكن القول إنه لم يكن البلدان مؤهلين «لبدء حقبة جديدة من العلاقات الثنائية تركز على شراكة تحقق فوائد واسعة النطاق لكل من المملكة المتحدة والمملكة العربية السعودية» وفقاً للحكومة البريطانية، كما هي المرحلة الحالية، وإذا كانت المصالح السياسية المشتركة والتفاهم الأمني ظلا العاملين الأبرز في تقارب البلدين، فإن المنفعة الاقتصادية ستفتح أبوابها لتكمل مضلع المصالح السياسية والأمنية، عندما يحل الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي «ضيف دولة» على بريطانيا، فللسعودية برنامج طموح يتمثل في «رؤية 2030» يعتبر الاستثمار في الدول المستقرة والحليفة ركيزة أساسية للرؤية، وبالتأكيد تعد بريطانيا على رأس الدول المستهدفة، بينما المملكة المتحدة وبعد خروجها من الاتحاد الأوروبي تبحث عن أسواق جديدة آمنة وخصبة وشركاء تجاريين موثوقين، وبالطبع لن تجد أفضل من الاستثمار في السعودية خياراً مناسباً، وهو ما رحب به الأمير محمد بن سلمان، خلال حديثه مع صحيفة «التليغراف» اللندنية، بأنه يأمل في أن تكون الشركات البريطانية قادرة على الاستفادة من التغيرات العميقة التي تحدث في بلاده، مضيفا: «بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ستكون هناك فرصٌ ضخمة لبريطانيا نتيجة لرؤية 2030».
ما يجمع الرياض ولندن أكثر بكثير مما يفرقهما، وهنا أشير إلى ما ذكرته على تلفزيون الـ«بي بي سي» بضرورة أن نفرق بين موقف المؤسسات الرسمية البريطانية، بما فيها البرلمان، وبين ما تورده الصحافة اللندنية، عن العلاقات بين البلدين وزيارة ولي العهد السعودي، فالصحافة هنا تطلق فيها كل الآراء، الإيجابية والسلبية، في الوقت الذي كانت كل الحكومات المتعاقبة، محافظة أو عمالية، حريصة على الحفاظ على المصالح الاستراتيجية لبلادها، خاصة أنه على مدى قرن أثبتت التجربة أن السعوديين حلفاء يمكن الاعتماد عليهم بصورة كبيرة، ولعل ما قالته تيريزا ماي رئيسة الوزراء أمام برلمان بلادها، أمس، إن «الصلة التي تربطنا بالسعودية تاريخية. إنها مهمة وأنقذت أرواح مئات الأشخاص على الأرجح في هذه الدولة»، يلخص دور الرياض القوي في حماية أمن العالم واستقراره، فالحكومة البريطانية تعي جيداً أن الشراكة مع السعودية تساعد على جعل الدولتين أكثر أمناً من خلال تبادل المعلومات الاستخباراتية، كما أن الحفاظ على العلاقة بينهما تبقى مسألة أمن قومي بالنسبة لهما، فإذا أضفنا الشراكة الاقتصادية فإن هناك أرضية خصبة بين البلدين لتطوير علاقاتهما بشكل غير مسبوق.
زيارة ولي العهد السعودي قد تكون اللحظة الفارقة في العلاقات بين الرياض ولندن، فلا جدال أن تعاونهما الأمني والسياسي رسخ لأرضية صلبة من المصالح بين البلدين، إلا أن القادم ربما يكون تمهيداً لمنفعة أكبر يستفيد منها البلدان اقتصاديا بشكل غير مسبوق، وتعزيز علاقات متميزة ونادرة مستمرة منذ أكثر من مائة عام، واستغلال نقاط قوة تتسم بها المملكتان، هما أولى بهما من أن تبحث كل من الرياض ولندن عن مصالحهما مع دول أخرى.