((الواقع الجديد)) الخميس 8 مارس 2018
مشعل السديري
قصد أمير من أمراء (سمنان) العالم الطبيعي والفلكي والرياضي ابن الهيثم يطلب العلم عنده، فوافق ابن الهيثم على تعليمه على شرط أن يدفع له كل شهر مبلغ مائة دينار كأجر، وهو مبلغ كبير وشبه تعجيزي في ذلك الوقت.
قبل الأمير ذلك، وأقام عنده ثلاث سنوات، فلما أكمل الأمير تعليمه وعزم على الانصراف، أتاه ابن الهيثم مودعاً وهو يقول له:
خذ أموالك بأسرها، فلا حاجة لي بها، وإنما قد جربتك بهذه الأجرة، فلما رأيتك قابلاً لبذل الأموال الجمة في سبيل طلب العلم، كبرت في عيني، فبذلت مجهودي في تعليمك وإرشادك – انتهى.
ويحق لي أن أقول إن ابن الهيثم بهذه الواقعة إنما يعتبر «مدرساً خصوصياً»، بتعريفاتنا اليوم، غير أنه ما أبعد الفرق بينه وبينهم، ويكشف ذلك الفرق ما حصل لامرأة مصرية، حيث تقول:
تزوجت من مدرس يكبرني بعامين، بعد خطبة استمرت شهرين، ولم أكتشف وقتها طبعه البخيل.
وفي أول يوم من زواجي، قال لي: أنا لا أحب الخروج للتنزه، ولا الفسح، فالخروج يكلفنا مصاريف، وهذا تبذير، رغم أنه ميسور الحال مادياً، وشقته مِلك. وزيادة على راتبه، يؤدي دروساً خصوصية يجني من ورائها أكثر من ثلاثة أضعاف الراتب.
وبعد 40 يوم زواج، توسلت إليه لكي يخرجني، بعدما مللت البقاء في المنزل، وطلبت منه أن يشتري لي سندوتش شاورما، فرفض وظل يؤنبني في أثناء وجودنا بالسيارة، وقال لي بالحرف الواحد: هذا خطئي أنني أركبتك سيارتي لأنها من شقايا وتعبي، وأقسم على أن أنزل من السيارة، وأعود للمنزل راكبة ميكروباص.
وعدت فعلاً، ولكن إلى منزل أهلي، وبعدها طلبت الخُلع من هذا الرجل المريض، وأكدت عند القاضي أنه كان يبيع أيضاً أسئلة الامتحانات للطلبة، ويقبض من جراء ذلك «الشيء الفلاني»، حسب تعبيرها.
وليس هذا الانفلات متفشياً في بلادنا العربية فقط، ولكنه موجود حتى في الهند. فعندما وضعوا كاميرات مراقبة، أضرب ما لا يقل عن 600 ألف طالب وطالبة عن دخول الامتحانات احتجاجاً على وجود الكاميرات.
ودعوني الآن أجلس على «كرسي الاعتراف» لكي أفضفض، علّ ضميري يرتاح، ولو قليلاً.
ففي أوائل المرحلة الثانوية، كان يجلس قريباً مني في قاعة الامتحانات أحد الزملاء البلداء، وأخذ يلح عليّ كي أغششه الجواب على أحد الأسئلة. وبعد أن طفشني، استجبت له وغششته فعلاً، ليس الجواب الصحيح، ولكن جواباً غلطاً اخترعته من مخي في ساعتها.
ورسب المسكين، وما زال ضميري يؤنبني.