((الواقع الجديد)) الثلاثاء 27 فبراير 2018
تيموثي ال ابريان
إذا كنت تشعر بحالة من التيه في خضم قنابل الدخان المتنوعة ونظريات المؤامرة المحيطة بتحقيق {الصلات الروسية} الذي يجريه روبرت مولر حول الرئيس دونالد ترمب وحملته الانتخابية ومستشاريه وأفراد أسرته، فإن المذكرة الصادرة عن لجنة شؤون الاستخبارات التابعة لمجلس النواب السبت الماضي قد تعين في إزالة بعض الالتباس بالنسبة لك.
تجدر الإشارة هنا إلى أن هذه المذكرة تأتي بمثابة رد من جانب أعضاء اللجنة من الحزب الديمقراطي، بقيادة النائب آدم شيف من كاليفورنيا، على مذكرة صاغها ونشرها فريق العمل الجمهوري المعاون لرئيسه ديفيد نيونز، في وقت سابق من الشهر.
وتتضمن مذكرة شيف بعض الحقائق الصادمة، بما في ذلك الكشف عن أن مكتب التحقيقات الفيدرالي كان لديه سبب وجيه للاعتقاد بأن مستشار حملة ترمب الانتخابية، كارتر بيدج، كان عميلاً للحكومة الروسية، وأن عملاء روساً أخبروا بيدج ومستشاراً آخر لترمب، جورج بابادوبولوس، أن الكرملين يرغب في معاونة ترمب على الفوز على هيلاري كلينتون في الانتخابات الرئاسية عام 2016.
وفي قلب معركة المذكرات الدائرة تكمن مسألة مصدر اهتمام المحققين الفيدراليين بتورط روسيا في الحملة الانتخابية لترمب، وما إذا كان مولر، المحقق الخاص التابع لوزارة العدل، أطلق التحقيق نهاية الأمر بناءً على نيات حزبية سيئة يضمرها داخله.
وتوافقاً مع ادعاءات الرئيس المتكررة بأن مولر يدير «حملة شعواء»، حاولت المذكرة الصادرة عن فريق العمل المعاون لنيونز التشكيك في مصداقية التحقيق من خلال التأكيد على أن مكتب التحقيقات الفيدرالي ووزارة العدل ضللا محكمة مراقبة الاستخبارات الأجنبية عندما سعياً نحو مراقبة بيدج كجزء من التحقيق الذي يتوليان إجراءه حول التدخل الروسي في انتخابات عام 2016. وورد في مذكرة نيونز أن أسلوب عمل مكتب التحقيقات الفيدرالي ووزارة العدل في القضية جاء بمثابة «تحطيم للعمليات القانونية على نحو يثير القلق»، (وذلك رغم أن المذكرة الصادرة في أربع صفحات تضمنت ما يكفي من الأمثلة لدحض هذا الادعاء).
كما شددت مذكرة نيونز على أن المحققين الفيدراليين تأثروا في عملهم بأهواء حزبية نظراً لأن طلبهم مراقبة بيدج اعتمد على ملف ستيل سيئ السمعة، تقرير صادر عن عميل الاستخبارات البريطانية السابق كريستوفر ستيل حول علاقات ترمب وفريق العمل المعاون له بروسيا.
جدير بالذكر أن الديمقراطيين تولوا تمويل ملف ستيل أثناء الحملة الانتخابية. ومع هذا، فقد أوضحت مذكرة نيونز أيضاً أن المحققين الفيدراليين اعتمدوا بادئ الأمر على معلومات منفصلة تماماً عن ملف ستيل عندما قرروا التقدم بطلب للحصول على إذن بالمراقبة، وأن مكتب التحقيقات الفيدرالي أطلق التحقيق الذي يتولاه في يوليو (تموز) 2016، أي قبل نحو شهرين من عمله بوجود مثل هذا الملف من الأساس.
أما مذكرة شيف فتأتي في عدد صفحات أكبر من مذكرة نيونز بست صفحات، ورغم الأجزاء المحجوبة والمغطاة بالأسود منها، فإنها تقدم سرداً وافياً على نحو أكبر لمسألة كيفية تعامل المحققين مع الروس وطاقم العمل المعاون لترمب وبيدج وبابادوبولوس. ولدى قراءة المذكرة بإمعان، لا يبقى لدى المرء شك في أن المحققين الفيدراليين كان لديهم أسباب وجيهة للاشتباه في بيدج ومراقبته.
وتشير المذكرة إلى أن بيدج سافر إلى موسكو، وكانت له «علاقات سابقة مع جواسيس روس»، وقضى بعض الوقت أثناء الحملة الانتخابية عام 2016 في «التفاعل مع مسؤولين روس»، وكان «يساعد عن عمد في نشاطات روسية استخباراتية سرية داخل الولايات المتحدة» و«شخص يرى مكتب التحقيقات الفيدرالي أنه عميل للحكومة الروسية».
أما القوة الدافعة وراء طلب مكتب التحقيقات الفيدرالي مراقبة بيدج فلم تكن ملف ستيل، وإنما الكم الهائل من ملاحظاته التي دعمها ملف ستيل فحسب. أما بالنسبة للقضاة الذين وافقوا على طلب المراقبة والطلبات اللاحقة لتجديد المراقبة، فكانوا أربعة، حسبما أفادت مذكرة شيف، جرى تعيينهم جميعاً من قبل رؤساء جمهوريين (مولر نفسه جمهوري).
وتكمن ثغرة جلية في مذكرة شيف في إخفاقها في تناول الادعاء المحوري الوارد في مذكرة نيونز حول نائب مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي آنذاك، أندرو مكابي. كانت مذكرة نيونز قد ذكرت أن مكابي «أدلى بشهادته أمام اللجنة في ديسمبر (كانون الأول) 2017 بأنه لم يكن المحققون يسعون وراء استصدار إذن مراقبة من محكمة مراقبة الاستخبارات الأجنبية دون المعلومات الواردة في ملف ستيل». وإذا لم تكن ثمة معلومات حول مكابي واردة في الأجزاء المحجوبة من مذكرة شيف، الأمر الذي لا يبدو محتملاً، فإن الرؤية الشخصية لمكابي تجاه ستيل وأهميته بحاجة لمزيد من التوضيح.
ومع هذا، أشارت مذكرة شيف إلى أن التحقيقات الفيدرالية الحالية استمرت في دمج عناصر من تقرير ستيل، وأن مكتب التحقيقات الفيدرالي وجده شخصاً «جديراً بالثقة» من ناحيتها، أوضحت وزارة العدل أمام المحكمة أن جهود ستيل تولى ديمقراطيون تمويلها، بجانب شرحها أمام المحكمة «خلفية ومستوى مصداقية والتحيزات المحتملة» لدى ستيل. وفي وقت لاحق، أخبرت المحكمة بأنها قررت إنهاء علاقتها بستيل بسبب مشاركته في النتائج التي توصل إليها مع وسائل إعلام. ولمحت مذكرة نيونز إلى أن جميع القضايا المحيطة بستيل جرى حجبها بصورة ما عن المحكمة. إلا أن مذكرة شيف تدحض هذا الزعم.
أيضاً، نصت مذكرة شيف على أنه بحلول الوقت الذي حصل فيه مكتب التحقيقات الفيدرالي على ملف ستيل – منتصف سبتمبر (أيلول) 2016 – كان المكتب يجري بالفعل «تحقيقات فرعية» حول عدد من الأفراد الآخرين لم تكشف هويتهم «على صلة بالحملة الانتخابية لترمب». ولم يكن بيدج الهدف الوحيد لسلطات إنفاذ القانون في خضم كل ذلك، وقد رحل رسمياً عن حملة ترمب قبل حتى أن تتقدم وزارة العدل بطلب للحصول على تصريح بمراقبته.
وشددت مذكرة شيف على أن: «مسؤولي مكتب التحقيقات الفيدرالي ووزارة العدل لم (يسيئوا استخدام) قانون مراقبة الاستخبارات الأجنبية، ولم يحذفوا معلومات أو يستغلوا هذه الأداة الحيوية في التجسس على حملة ترمب الانتخابية».
ووصفت مذكرة شيف السبل المتنوعة التي عمدت من خلالها مذكرة نيونز إلى انتقاء معلومات سرية بعينها وطرحها على نحو يسبب تشويهاً للحقيقة. بطبيعة الحال، كان تشويه الحقيقة الشعار الذي لطالما رفعه نيونز منذ اللحظة التي بدأ فيها مولر التحقيق. واستمرت عملية التشويه، السبت، وذلك عندما تحدث نيونز أمام مؤتمر العمل السياسي المحافظ ووصف مذكرة شيف بأنها: «دليل واضح على أن الديمقراطيين لا يحاولون فحسب التعتيم على هذا الأمر، وإنما يتواطأون مع قطاعات من الحكومة للمعاونة في هذا التعتيم».
من جهته، طرح الرئيس ترمب وجهة نظر مشابهة عبر «تغريدة» أطلقها مساء السبت، وقال فيها: «المذكرة الديمقراطية رداً على انتهاكات المراقبة الحكومية تشكل إفلاساً سياسياً وقانونياً كاملاً. وتؤكد على جميع الأفعال البشعة التي وقعت. هذا أمر غير قانوني على الإطلاق!» وخلال مقابلة أجرتها معه شبكة «فوكس نيوز» مساء السبت، وصف ترمب مذكرة شيف بأنها «لا شيء».
ومع ذلك، فإن المؤكد أن مذكرة شيف ليست «لا شيء»، والحقيقة أنه رغم التباين الواسع بين مذكرتي نيونز وشيف، فإنها تتفقان على حقيقة بالغة الأهمية – أن التحقيق الذي يجريه مكتب التحقيقات الفيدرالي بدأ قبل أن يجد ملف ستيل طريقه إلى المكتب بفترة طويلة.