الجمعة , 15 نوفمبر 2024
hannasalah

كيف نتجنب الأسوأ؟

((الواقع الجديد)) الخميس 22 فبراير 2018 

حنا صالح

 

نجحت موسكو في لجم التصعيد بين إسرائيل وإيران، فتراجع نتنياهو أمام ضغوط مارسها الرئيس الروسي بوتين، وأوقف عملية عسكرية كبيرة. هذه الضغوط عكست قلقاً روسياً حقيقياً من أن نشوب حرب في سوريا بين تل أبيب وطهران سيؤدي بالضرورة لخلق وقائع جديدة من شأنها أن تعلق كل الخطط الروسية لإيجاد تسوية تترجم التوظيف الروسي في الحرب السورية، لكن التوتر ما زال مقيماً؛ وعندما رفع نتنياهو، في ميونيخ، قطعة من حطام طائرة «درون» الإيرانية الصنع، هدد بأن رد تل أبيب سيطال العمق الإيراني، ولن يقتصر على وكلاء نظام طهران!!
التهدئة تبدو مؤقتة، وأجواء المواجهة لم تتراجع، فالجنوب السوري، بدءاً من الحدود الأردنية حتى الجولان، ومن هناك إلى لبنان، أصبح منطقة في عين العاصفة، وكل المعلن من المواقف يفيد بأن إسرائيل لن ترضى ببقاء الحرس الثوري هناك، ولا واشنطن ستقبل التجاهل الروسي للتعهدات التي نوقشت واتفق عليها في هامبورغ، ومحورها إبعاد الميليشيات الشيعية عن هذه المنطقة 40 كلم نحو الشمال، أي إلى حدود مدينة دمشق، ولا الممارسات الإيرانية تشي بأن طهران بوارد التراجع عن مخطط التمركز العسكري في الجنوب السوري، وربط مواقع الحرس الثوري هناك مع جنوب لبنان!! هذا بالضبط كان محور ما ناقشه الملك عبد الله الثاني، في موسكو، الذي – على ما تردد – وجّه النُصح للقيادة الروسية بضرورة كبح جماح إيران للحؤول دون تدهور في الأوضاع يخرج الأمور عن السيطرة.
ولا شك أن موسكو التي خرج مشروعها مهشماً من مؤتمر «سوتشي»، بعدما ظهر التباين الحاد في الرؤى مع طهران وأنقرة، وظهرت مؤشرات لا تخفى عن تمرد معين مارسه النظام السوري، ولا يزال، ضد الرؤية الروسية للتسوية، وبدأت موسكو تواجه استراتيجية أميركية مختلفة، أسقطت بشكل كبير كل ما كان قد قيل عن تفويض أميركي للروس.. كل ذلك وضع القيادة الروسية أمام السؤال عن ماهية التعديل الذي ستدخله على استراتيجيتها السورية، وهو ما يصعب بلوغه إذا انفتحت المواجهة العسكرية فوق سوريا الروسية.
في المقابل مواقف أميركية تتبلور بشكل متسارع، وتعبر عن مصالح مغايرة؛ مواقف حمّلت النظام الإيراني المسؤولية عن زعزعة الاستقرار في المنطقة، وأُرفقت بخطوات اتخذتها واشنطن لمحاصرة النفوذ الإيراني، من فرض عقوبات على كيانات وقادة إيرانيين، أو متهمين بتمويل أنشطة إرهابية، على ما صدر بحق لبنانيين مقربين من «حزب الله»، إلى اعتقال جنوب أفريقيا متهمين لبنانيين بتهريب تكنولوجيا للطائرات المسيّرة، فضلاً عن تنبيهات للقطاع المصرفي اللبناني بوقف كل تعامل مع أنشطة «حزب الله»، إلى الضغوط المعلنة على القطاع، ما يؤكد أن واشنطن فتحت صفحة جديدة في المواجهة مع طهران. في هذا السياق، شددت جولة الموفد الأميركي ديفيد ساترفيلد في الجنوب على أنه من مصلحة لبنان استمرار الهدوء، لأن الاستقرار معبر ضروري لحالة من الازدهار الذي عرفه جنوب لبنان بفضل التزام قرارات الشرعية الدولية، ولا سيما القرار 1701. أما المواقف التي أطلقها من بيروت وزير الخارجية الأميركي تيلرسون، فكانت جرس إنذار، بدعوته المسؤولين اللبنانيين لنبذ طروحات «حزب الله» وممارساته، التي يمكن أن تعود على لبنان بالوبال، ولا سيما أدوار الحزب الخارجية، وعلى وجه الخصوص في الحرب السورية. يبدو أيضاً أن المطلوب من موسكو قراءة متأنية لمواقف الإدارة الأميركية، بعد الإمساك بقوة بمناطق شرق الفرات، والبداية أن الوقت لم يعد متاحاً أمام الحرس الثوري لربط جنوب سوريا بجنوب لبنان.
ورغم اشتداد السواد الذي يلف المنطقة، كان الأداء الرسمي اللبناني سوريالياً؛ لغة خشبية قاصرة لا تساعد في حشد الجهد الدولي الضروري لحماية البلد، والأساس لإبعاد التهديد الإسرائيلي بوضع العدو يده على حصة من حقول الطاقة اللبنانية في المنطقة الاقتصادية الخالصة، وهي حقوق لبنانية صافية. وإذا ما أُضيفت لهذه اللغة الهفوة البروتوكولية الفادحة في استقبال الوزير تيلرسون، وهو أول مسؤول أميركي على هذا المستوى يزور لبنان منذ أربع سنوات، يصبح مفهوماً الصمت المطبق من جانب كل المسؤولين اللبنانيين عن الطرح الخطير للسيد نصر الله، الذي وجد الوقت مناسباً لممارسة الضغط المرتفع لفرض تشريع سلاح الدويلة، بدعوته مجلس الدفاع الأعلى لاتخاذ القرار بتكليف حزبه بالزج بإمكاناته الصاروخية. وبعدها، يقول نصر الله: «محطات الغاز والنفط الإسرائيلية في البحر ممنوع أن تعمل»، ويضيف: «أعدكم بأنها خلال ساعات لن تشتغل»!!
ببساطة، هذه الحكاية في الدفاع عن الحقوق الثابتة ممجوجة، فـ«حزب الله» لم يلتزم يوماً بشروط الدولة اللبنانية ودستورها ومصالح أبنائها، وكل أدائه، من استباحته للحدود وهدر السيادة إلى دوره في حرب تحرير الجرود، وكل الاتفاقات المريبة التي أبرمها مع إرهابيي «النصرة» و«داعش»، وقبل ذلك استدراج الحرب الكارثية التي حولها منصة للانقضاض على الداخل لقضم قرار البلد؛ كلها خطوات مدروسة لهركلة السلطة، وتمكين قادة الحرس الثوري من الزعم بأن بيروت واحدة من العواصم العربية الأربع التي يسيطر عليها النظام الإيراني!
الحرب لن تقع غداً، و«قواعد الاشتباك» لا تقوى أطراف «الممانعة» على تعديلها، فهذا قرار يعود للقوى الكبرى، وأي مراقب محايد يدرك أن طهران واقعياً تخشى مناخ الحرب الذي قد يفضح سريعاً ضعفها الداخلي، إسرائيل، بضوء لا فعالية محور «الممانعة» بعد كل هذا الدمار السوري والعراقي، قادرة على توجيه ضربات شديدة، بموافقة أميركية وروسية معاً، قد لا يكون لبنان بمنأى عنها. هذا الوضع، الذي يؤشر إلى مخاطر جدية، لا يواجه لبنانياً بما أعلن وتردد، بل بالاستعداد للأسوأ لتجنبه، وهذا يتطلب السعي الجاد لتوسيع شبكة أمان البلد عبر الشرعيتين الدولية والعربية، وعدم تجاهل جوهر الحكمة القديمة: عند تغيير الدول، احفظ رأسك.

 

 

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.