(( الواقع الجديد)) الثلاثاء 20 فبراير 2018
لقد تحولت سوريا رسمياً إلى ساحة حرب يتقاتل فيها الجميع ضد الجميع. جاء الدليل في الخبر الأخير الذي قال إن الطائرات الأميركية قتلت ما بين أربعة إلى 200 «مرتزق» روسي الأسبوع الماضي.
وقبل ذيوع الخبر بأسبوع واحد، أسقطت إسرائيل طائرة «درون» إيرانية، جاءت من سوريا ثم هاجمت أهدافاً إسرائيلية؛ لكنها خسرت طائرة «إف 16» في الطريق، وقبل ذلك بأيام شنت تركيا حرباً واسعة على الأكراد السوريين المدعومين من الولايات المتحدة، وربما كانوا هم أنفسهم من طالبوا بتوجيه ضربات جوية ضد الروس.
وهنا نعود لعبارة توماس هوبز التي قال فيها إن «الجميع يتقاتلون ضد الجميع». فمن الصعب توضيح تبعات انحدار سوريا التدريجي إلى هذه المرحلة من الفوضى، ولذلك فإن حل معضلة الحرب الأهلية في سوريا لن يكون بالأمر الهين، فبعدما أصبحت البلاد مسرحاً لصراعات دولية أوسع، سيكون من المستحيل التوصل إلى حل.
فأفغانستان، منذ زمن الغزو السوفياتي عام 1979 حتى الوقت الحالي، تشكل مثالاً بالغ الوضوح. فقد ذهب عالم الأنثروبولوجيا برنت روبين في جدله حتى قبيل اعتداءات 11 سبتمبر (أيلول) والغزو الأميركي، إلى أن تدخل كثير من العوامل الخارجية هو ما جعل من الصراع الأفغاني قضية مستعصية. فالحرب الأفغانية – إن نظرنا إليها نظرة واقعية – دامت نحو 40 عاماً، من دون أن تبدو لها نهاية في الأفق. وهو المصير نفسه الذي قد ينتظر سوريا، وهي الحرب التي مر عليها سبع سنوات.
فمنذ البداية، كان الصراع السوري يحمل سمة الحروب بالوكالة، فالجماعات التي كان عناصرها يسعون إلى الإطاحة ببشار الأسد يحظون بدعم دول إقليمية، وكذلك دعم الولايات المتحدة، ونال بشار دعم حليفته إيران ومساندة «حزب الله»، ميليشياتها بالوكالة. تتمثل الخطوة الكبرى في أن تكون هناك حرب أهلية يشجعها ويدعمها غرباء، حرب يكون فيها لتركيا وإيران وإسرائيل طائرات تحلق في أجواء سوريا. والخطوة الأكبر تتمثل في التدخل العسكري المباشر للاعبين الدوليين، مثل الولايات المتحدة وروسيا، سواء في الجو وعلى الأرض. ولكل خطوة من تلك الخطوات معناها، فالولايات المتحدة أرادت أن تقاتل تنظيم داعش، مما استلزم دعماً جوياً لكل من يقاتل على الأرض، وهو ما تمثل في الأكراد السوريين الذي باتوا حلفاء بالإيجار.
كان اهتمام روسيا بقتال «داعش» أقل من اهتمامها بانتهاز الفرصة لإنقاذ نظام الأسد وتثبيت دعائمه، لكي تكون لاعباً رئيسياً في الشرق الأوسط، وهو الدور الذي خسرته منذ سقوط الاتحاد السوفياتي. وقد تطلبت مساندة الأسد تدخل قوى كبيرة، كما تطلبت وجود قوات على الأرض، حسبما شاهدنا جميعاً. ولرغبته في تحاشى استخدام قوات روسية نظامية على الأرض، فقد استفاد الرئيس فلاديمير بوتين من تكنيك استخدمه بكفاءة في شبه جزيرة القرم وفي أوكرانيا، واستخدم كذلك ما أطلق عليه «الرجال الخضر الصغار»، أي الروس ممن لا يرتدون زياً رسمياً ولا يضعون شارات؛ رغم أنهم ينتمون للجيش، وربما لبعض الشركات الخاصة. في الحقيقة، فإن تكتيكاً كهذا يجب ألا يكون غريباً على الأميركان، فهم رواد في استخدام الشركات الخاصة. لم يكن الهدف وقتها حرمان الولايات المتحدة من الوجود على الأرض؛ بل تقليل حجم القوات الرسمية على الأرض من دون التضحية بالفعالية.
لا نعلم العدد الصحيح للمرتزقة من الشركات الروسية التي أرسلها بوتين إلى سوريا؛ لكن إن اتضحت دقة تقديرات الخسائر الناجمة عن الضربات الجوية الأميركية، التي تزعم أنها بلغت 200 قتيل في الضربة الواحدة، فسوف يكون الرقم مرتفعاً بكل تأكيد.
إن الدافع للتدخل التركي هو الرغبة في منع الأكراد السوريين من تأسيس منطقة مستقلة، على غرار المنطقة التي أسسها أكراد العراق منذ عقود.
وإيران تقوم بإطلاق طائرات «درون» فوق سوريا لتعزيز مكاسبها العسكرية التي جنتها من بقاء الأسد في السلطة. كذلك فإن إسرائيل في الجوار، ونستطيع رؤية الإشارات التي تعطيها بأنها لن تتسامح مع الوجود الإيراني هناك.
الحقيقة الأهم بشأن جميع هؤلاء اللاعبين، هي أن مصالحهم غالبيتها متعامدة بعضها مع بعض. فتقريباً لم يعد هناك من يحاول التأثير على تبعات الحرب الأهلية، فلم تعد «داعش» تسيطر على مناطق كبيرة، بقي الأسد في السلطة وبستعيد أرضه بالتدريج، فيما يأتي الأكراد في المرتبة التالية من حيث الأهمية، إذا وضعنا في الاعتبار الغرض الذي قامت من أجله الحرب.
لكن تلك التقاطعات في المصالح الدولية لن تتلاشى في القريب العاجل بحال. فبوتين يحتاج لأن يظهر أنه قد حصل على شيء ملموس من ذلك الانتصار، ويعني ذلك البقاء للتأكد من أن الأسد لن يترنح بعدما يرحل الروس.
لن يذهب السوريون الأكراد لأي مكان؛ لأنهم ليس لديهم مكان آخر يذهبون إليه، وهذا من شأنه أن يؤكد استمرار مشاركة تركيا، طالما أن الأكراد لم يهزموا. ولإيران مصالح طويلة الأمد في سوريا، ولإسرائيل مصالح طويلة الأمد في مقاومة إيران، ما دامت إيران تستمر في إنكار حقها في الوجود.
وبالنسبة للولايات المتحدة، فمن المرجح أنها ستتوقف عن القتال قبل غيرها؛ لكن ذلك لن يكون سهلاً طالما زادت وتيرة المذابح، في ظل محاولات الولايات المتحدة تقليص دعمها الجوي للأكراد. نظرياً: ربما تتبع المفاوضات النهائية تلك المرحلة الفوضوية، وقد يوافق اللاعبون الدوليون على التراجع وعلى قبول وضع جديد مختلف؛ لكن بحسب ما أظهر لنا النموذج الأفغاني، سيظل الخطر الذي يمثله اللاعبون الدوليون قائماً، حال أقدموا على تسليح السكان المحليين لإشعال القتال مجدداً.
ولذلك، فإن ذلك الخطر يجعل من إعادة التصعيد أمراً بالغ الصعوبة. وبناء عليه فإن نهاية معاناة الشعب السوري لا تبدو وشيكة.