(( الواقع الجديد)) الاثنين 19 فبراير 2018
دانييل غورديس
بدأت أجراس الهاتف تنطلق في الأسبوع الماضي، فقد نما إلى علم الإسرائيليين أن الشرطة على وشك الكشف عن توصيتها بخصوص ما إذا كان ينبغي إدانة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بالاتهامات الموجهة إليه بالاحتيال والرشوة. كان الإسرائيليون مرابطين أمام شاشات التلفزيون والكومبيوترات في انتظار سماع ما ستعلنه الشرطة. كان نتنياهو من جانبه قد حاول منع الشرطة من إعلان توصيتها؛ لكن المحكمة العليا ألغت قراره، والآن تستعد الشرطة لمخاطبة الجماهير.
وجاءت التوصيات واضحة، ذلك أن الشرطة أعلنت أن نتنياهو ينبغي توجيه الاتهام إليه بخيانة الأمانة في قضيتين. ويدعي التحقيق الأول المعروف باسم «القضية 1000» أن نتنياهو قبل هدايا ثمينة من رجال أعمال أثرياء مقابل نفوذ. أما «القضية 2000» والمعروفة باسم قضية «يديعوت أحرونوت» فتدعي أن رئيس الوزراء عرض على رئيس تحرير الصحيفة آرنون موزيز دعمه لمشروع قانون، من شأنه إلحاق الضعف بصحيفة «إسرائيل حيوم» المملوكة لرجل الأعمال البارز شيلدون أدلسون، والمنافس الأكبر لموزيز، مقابل الحصول على تغطية إيجابية عبر صفحات الجريدة. كما أوصت الشرطة بتوجيه اتهامات إلى موزيز. الآن، سيتولى المدعي العام أفيهاي ماندلبليت النظر في الاتهامات المثارة في القضيتين.
وكما هو متوقع، نفى نتنياهو تورطه في أي تجاوزات. ومثلما هو متوقع كذلك، طالبت المعارضة داخل الكنيست بتقديمه استقالته فوراً. جدير بالذكر أن القانون الإسرائيلي لا يلزم رئيس الوزراء بالتنحي لمجرد صدور توصية من الشرطة بتوجيه اتهام له. وربما لا يضطر إلى الاستقالة حتى حال توجيه الاتهام إليه، إلا إذا أدين نهاية الأمر. وقد يستغرق صدور قرار الاتهام عاماً، بينما ربما يستغرق صدور قرار الإدانة أكثر من ذلك.
أما الأمر الذي يمكنه إسقاط نتنياهو بحق، فهو انهيار الائتلاف الذي يترأسه؛ إلا أنه – في الوقت الحالي على الأقل – يبقى شركاؤه المهمون داخل الائتلاف متمسكين بالوقوف إلى جواره. من جانبه، بمقدور موشيه كاهلون، رئيس حزب كولانو، تدمير الائتلاف من خلال الانسحاب منه؛ لكنه لا ينوي الإقدام على ذلك. كما وافق نافتالي بينيت، رئيس حزب البيت اليهودي القومي اليميني، ومصدر القلق السياسي الأول بالنسبة لنتنياهو، على أنه لا يتعين على نتنياهو التقدم باستقالته في الوقت الراهن. ومع هذا، يبدو أنه حرص على ترك جميع الخيارات مفتوحة أمامه، من خلال توجيهه سهام النقد إلى رئيس الوزراء؛ لإخفاقه العمل كقدوة يحتذى بها على صعيد السلوك الأخلاقي.
وماذا عن الرأي العام؟ إذا ما قيمنا الوضع على أساس الصحف الصباحية، فإنه يبدو أن قطاعات عريضة قد بلغت حد السأم. يذكر أن «يديعوت أحرونوت» (الصحيفة ذاتها التي تشير مزاعم إلى أنها سعت لكسب نفوذ بغير حق) نشرت صفحة غلاف تحمل صورة لرئيس الوزراء تحمل كلمة «رشوة» في حروف كبيرة بارزة. وحرص كثير من أصحاب مقالات الرأي بالصحيفة، وهم من أصحاب المقالات الأكثر قراءة داخل إسرائيل، على الإشادة برئيس تحرير الصحيفة (المتهم هو الآخر)؛ لكنهم أعربوا بوضوح عن شعورهم بأن نتنياهو فقد ثقتهم.
وهنا يظهر السؤال: هل رئيس الوزراء في طريقه نحو حالة من القفر والجدب السياسي؟ في الواقع، لا يزال من المبكر للغاية حسم هذا الأمر. ورغم أن الأسابيع الأخيرة شهدت اندلاع مظاهرات ضخمة في تل أبيب اعتراضاً على الفساد السياسي، تبقى الحقيقة المحزنة، أن الإسرائيليين لم يعودوا شاعرين بالصدمة إزاء مثل هذه الاتهامات، وانحسرت ثقافة التعامل بصرامة تامة مع الفساد التي لطالما تميزت بها إسرائيل. جدير بالذكر أنه عام 1977 عندما كشفت الصحف أن زوجة رئيس الوزراء آنذاك إسحق رابين، ليا، تحتفظ بحساب مصرفي صغير بالخارج (منذ أيام عمله سفيراً لإسرائيل لدى الأمم المتحدة)، وهو إجراء كان يحظره القانون الإسرائيلي آنذاك، انفجرت موجة من الغضب العارم بالبلاد، واضطر رابين إلى تقديم استقالته.
بيد أن اللافت أنه منذ ذلك الحين أصبح الفساد متفشياً. يذكر أن إيهود أولمرت استقال من منصبه كرئيس للوزراء عام 2009، بعد ظهور مزاعم بتورطه في فساد. في فبراير (شباط) 2016، أصبح أول رئيس وزراء سابق يتعرض للسجن (أطلق سراحه بعد بضعة شهور). وقد انضم إلى موشيه كاتساف الذي استقال من منصبه كرئيس في يوليو (تموز) 2007، بعدما تعرضه لاتهامات بالاغتصاب. وقد تعرض كاتساف هو الآخر للإدانة والسجن في ديسمبر (كانون الأول) 2011. وتشارك كاتساف الزنزانة ذاتها مع شلومو بينيزري، وزير العمل والرفاه الاجتماعي السابق، الذي أدين بتهمة الاحتيال. كما أدين العشرات من أعضاء الكنيست والمسؤولين الحكوميين الآخرين باتهامات احتيال واتهامات أخرى.
والآن، يبدو أن الحاخام الأكبر السابق في طريقه إلى السجن، في صفعة مدوية للأخلاق الاجتماعية التي سادت يوماً ما إسرائيل. ومع أنه لا يزال بمقدور الرأي العام الشعور ببعض الارتياح إزاء حقيقة أن القضاء أثبت نجاحه في محاكمة حتى أعلى المسؤولين شأناً، تظل الحقيقة أن الفساد لم يتراجع.
ومع هذا، يبقى أحد العوامل الكبرى التي تميل لصالح نتنياهو متمثلاً في شعار «الأمن أولاً وقبل أي شيء» الذي يسود أرجاء إسرائيل. هذا الأسبوع، أسقطت إسرائيل طائرة دون طيار إيرانية اخترقت مجالها الجوي، ما أدى لشن إسرائيل غارة قصف جوي ضد مواقع سورية وإيرانية داخل سوريا، تعرضت خلالها طائرة «إف 16» للإسقاط، وذلك للمرة الأولى منذ عام 1986. وأعقبت إسرائيل ذلك بشن هجمات مكثفة ضد مزيد من المواقع السورية والإيرانية التي يعتقد الجيش أنه بتدميره إياها قضى على نصف الدفاعات الجوية السورية.
من جانبها، وصفت بعض الصحف الإسرائيلية هذا الحادث بأنه المعركة الأولى في حرب إسرائيلية – إيرانية محتومة؛ أما التساؤل الذي يشغل بال كثير من الإسرائيليين: متى سوف تشتعل هذه الحرب؟
وربما يخدم هذا الوضع نتنياهو، وذلك لرغبة الإسرائيليين في التعرف على من يملك القدرة الأكبر على حمايتهم. ويولي الإسرائيليون نتنياهو ثقتهم، ويشعرون بأنه قادر على القتال إذا تطلب الأمر، دون تهور مفرط، ويرون أنه أثبت أكثر من أي سياسي إسرائيلي آخر، أنه صوت العقل في أوقات الأزمات. وبالنسبة لدولة لم تنعم بيوم سلام منذ عام 1948، فإنه مهما بدت مزاعم الفساد قميئة وكريهة، فإن القائد الحصيف يبقى أهم ما يسعى وراءه الإسرائيليون، أكثر عن أي شيء آخر.