(( الواقع الجديد)) السبت 17 فبراير 2018
عبدالرحمن الشبيلي
لم يظفر النقي عبد الله عمر نصيف، شفاه الله، في هذه الدنيا بأرصدة أو أطيان أو بناطحات سحاب، ولم يحُز فيها أوسمة وجوائز، لكنه فاز بما هو أغلى وأثمن عند الله، بالضمير الصافي والرصيد المكنون في قلوب عارفيه.
كان منذ أن تخرّج في جامعة الملك سعود (1964) شاباً يُذكّر بعلمه وخلقه وبساطته وبكل شيء فيه، بسيرة أسرة آل نصيف، وعلى رأسهم طيب الذكر جده العالم الراحل محمد حسين نصيف، وبصورة كل الرجال والنساء الأماجد الذين سطّروا في تاريخ السعودية رائع أمثلة الوفاء وصون تاريخها المجيد، منذ أن استقبل أعيانُ الحجاز الملكَ الموحّدَ الجديد، وفيهم آل نصيف وآل قابل وآل باناجة وآل شطا وآل الطويل وآل زينل وغيرهم، مادّين له يد الحب والسلام، فقابلهم بما هم أهل له من التقدير والإجلال، وكانوا على الدوام صوناً لعهودهم، وحفظاً للنظام واقتناعاً به، وما كُلّف أحدهم منهم بواجب إِلا وصار أهلاً للثناء على الإخلاص في أدائه.
قُدّر للكثيرين أن يعرفوا عبد الله نصيف وعدداً ممن يجانسه في المُثُل والقـيَم، في مواقع الدعوة والتعليم والشورى ورابطة العالم الإسلامي وفي مركز الحوار الوطني وفي الحياة العامة، وفي الأعمال الخيريّة والإنسانيّة، فوجدوهم أمثلة في الترفّع في القول، والنزاهة في الأمانة، والصدق في التعامل.
وكان يكفي في أي صقع من العالم الإسلامي أن يُذكر اسم الدكتور نصيف، أو أن يظهر رسمُه المضيء بالوقار وجلال التديّن والوسطيّة، فتجتمع الألسن بالثناء عليه، والأكفّ بالدعاء له، والقلوب باحترامه، بوصفه «أيقونة قوة ناعمة» أفرزها المجتمع السعودي المعتدل المحافظ.
لم يكن بالإمكان البوح بهذا الرصيد المتراكم المكنون في قلب كل من عرفه، وما كان لهذه الحروف أن تنبعث قبل اعتلال صحته خلال الأسابيع الفائتة، فالمقال أمام تاريخ رجل لا يحتفي بالإطراء، والكاتب في طبعه معه ومع أمثاله لا يجيد لغة التطبيل.
عبد الله نصيف، نموذج إسلامي سعودي مشرّف، كساه الله من الالتزام أعدلَه وأنقاه دون تزمّت أو مغالاة، ومن التراث أنفعَه وأصفاه، ومن العصريّة ضرورة مبتغاه، ومن أطايب الحياة حاجته وأبعده عن المباهاة، وكان صادقاً مع ربّه، ومع نفسه وضميره، من دون تزكية على خالقه.
فهنيئاً لتاريخ إنسان يحوز من الدنيا أرصدة رفيعة من الاحترام، وهنيئاً لأسرة فيها رجال ونساء مثله، وهنيئاً لوطن ينجب أمثاله، كي يفاخر بسجلّهم في كل محفل، تكون الكلمة للتفاخر الحقّ والاعتزاز الأصيل.
وهنيئاً لمن حظي في حياته، بأن يعاصر أفذاذاً من أمثال صالح الحصيّن وعبد الله الصالح العُبَيد وأحمد محمد علي وعبد الله عمر نصيف ومحمود طيبة وغيرهم، من نماذج لم تُلوّث أسماءَها أوساخُ الدنيا وأدرانُ الفساد، وأمضت مسيرات حياتها رموزاً تشهد لهم سعفاتُ النزاهة بأزهى أوسمة الشرف والنُبل والفخار، فنالوا احترام مجتمعاتهم بجدارة وامتياز.
أقرّ الله عيون عارفيه بشفائه وعودته إلى منهاج الخير الذي أمضى العمر فيه، وأجزل له الأجر والثواب على مؤسّسته الخيريّة.
«إِنَّكُمْ لا تَسَعُونَ النَّاسَ بِأَمْوَالِكُمْ، وَلَكِنْ يَسَعُهُمْ مِنْكُمْ بَسْطُ الْوَجْهِ وَحُسْنُ الْخُلُقِ» حديث شريف.