((الواقع الجديد)) الخميس 15 فبراير 2018م
حسين شبكشي
حجم الخلافات والصراعات والحروب الموجودة في العالم العربي مذهل على أقل تقدير، ولبحث أسس هذه الأسباب مطلوب مراجعة علماء النفس وليس علماء السياسة.
حجم التناقضات والنفاق والازدواجية أقل ما يقال عنه أنه مقرف ومرعب في آن واحد. فالدول التي تتغنى باحترامها للدين وتقديسها لتعاليمه سرعان ما تفتت بنيان الانتماء الوطني لمواطنيها تحت مظلة العقيدة، فيتحول سيل من المواطنين إلى كافر ومشرك وزنديق ومبتدع ومنافق وملحد وصوفي وليبرالي وأصولي وغير ذلك من القوالب المجهزة سلفاً، وطبعاً هناك القوالب المعدة سلفاً أيضاً للتشكيك في الانتماء العرقي بين العربي الأصيل والآخر غير الأصيل وتصنيفات مستجدة ما أنزل الله بها من سلطان، مثل المتجنس والأجنبي والعجمي والبلوشي وغيرها. هذه ما هي إلا نماذج محددة ومتنوعة من تمزيق المجتمعات تحت شعارات ظاهرها جميل مثل شعار الدين أو شعار العروبة، وباطنها خبث وجاهلية تفتت المجتمعات بغضب واضح مولداً الفتنة تلو الأخرى.
هذا في رأيي هو أحد أهم أسباب تفشي ظاهرة الخلاف والاختلاف بشكل حاد ودموي في المجتمعات العربية لأنها عجزت عن الانتقال إلى مجتمع مدني سوي تعلو فيه المساواة وحقوق المواطنة.
المجتمعات الغربية تخطت مواضيع الانتماء العرقي والديانة باللجوء إلى مظلة القانون المحمي من قبل الدستور الأساسي. عندما أطل العقيد الليبي معمر القذافي في أحد خطاباته الأخيرة وبلاده مؤججة بالصراعات الدموية سأل سؤاله الأشهر وهو يصيح «من أنتم؟»، والسؤال الأدق والأصح كان يجب أن يكون «من نحن؟»، فهذا هو السؤال الذي لا يزال قائماً حتى اليوم. إنه سؤال الهوية والرمز الذي تشير إليه الهوية.
إننا بحاجة ماسة لتجديد خطاب إنساني يؤكد انتماء هذه المنطقة إلى العالم ليعترف بنفس قيم التسامح ويطبق نفس قيم التعايش ويخرج من غطاء النفاق والازدواجية والكذب البواح الذي يغطي على العورات الفاضحة لخطاب عنصري وعدائي وعدواني واضح بحاجة ماسة لإصلاح وتقويم وإعادة هيكلة للقيم والمثاليات التي أسست هذا الخطاب.
العالم العربي تحول مع الوقت إلى «عبء» و«هم» لا يمكن إغفاله ولا إنكاره من حيث حجم الفاتورة التي يتكبدها بسبب الآراء والأصوات المتطرفة التي تجعل من المنطقة بؤرة توتر وشحن لا ينقطع بشكل مستمر. دورة الزمان والسنين الكونية لا ترحم أحداً؛ كل المناطق في العالم بأسره مرت بموجات العداء والكراهية والعنصرية والتشدد وتخلصت منها بطرق مختلفة إلا العالم العربي. والأدهى والأمر، وهو ما يجعل المسألة أشد تعقيداً، هو وجود كم هائل من «الإنكار» لأصل المشكلة والاعتزاز بها واعتبارها جزءاً أصيلاً من التراث العظيم الذي يجب الافتخار به والدفاع عنه بكل قوة.
تجديد الخطاب الإنساني هو مطلب أخلاقي ضروري ليس لأي سبب إلا لإثبات آدمية أهل هذه المنطقة في بعض الحالات.