(( الواقع الجديد)) الاربعاء 14 فبراير 2018
سمير عطاالله
«عزيزي جورج، المذكَّرة التي أرسلتها إليّ مكتوبة بخط يدك، رسالة سوف أبقيها إلى جانبي كمرجع، وأيضاً كتشجيع في الأيام الصعبة. إنه لدعم عظيم يجيء من دبلوماسي ومفكر في مستواك. وكم هو رائع منك أن تخاطبني بمثل هذه المودة الشخصية».
كان صاحب توقيع هذه الرسالة يدعى «جون كيندي» مجرداً من جميع الألقاب، وأما المُرسل إليه فهو جورج إف. كينان، صاحب نظرية «الاحتواء»، وسفير أميركا لدى موسكو زمن ستالين، وربما أهم رجل في تاريخ الدبلوماسية الأميركية.
جمع كيندي حوله أكبر عدد من أهل الفكر. غير أنه أعطى كنان مرتبة «المعلّم». ومنذ انتخابه حتى اغتياله اجتمع إليه 14 مرة، وهو رقم قياسي في تاريخ البيت الأبيض. هذه العلاقة بين الرئاسة والمفكرين الكبار، انتهت لحظة وصول ليندون جونسون: الفكر والتكساس لا يلتقيان دائماً.
أهمية كينان لم تكن في نظريته إلى الخصم الروسي، بل إلى المواطن الأميركي: مادي وسطحي ومأخوذ بنفسه. وكان كينان يرفض استبداد الأكثرية، ويعتبر الرأي العام خطراً تجب محاورته ويدعو إلى حكم النخبة. وكان، على نحو لا يُصدّق، محافظاً إلى درجة الإعجاب ببعض الأنظمة الديكتاتورية مثل أنطونيو سالازار.
وفي حين أنه اعتبر أهم سفير أميركي في موسكو وأكثر من واجه ستالين، الذي أمر بإعلانه شخصاً غير مرغوب فيه، فإنه كان مفتوناً بآداب روسيا ما قبل الثورة إلى درجة أنه كان يقول: «لا بد أنني عشت في حياة سابقة في عصر تولستوي».
لم يكن من السهل القبول بموضوعية كينان، أو برؤيته المتعددة للأشياء. هو مع «الصح» حيث يكون، لا مع الرجال والأحزاب والإدارات. ولم يطق ليندون جونسون الإصغاء إليه وهو يقول له يجب وقف حرب فيتنام لأنها أفظع كارثة في تاريخ أميركا.
أليس البيت الأبيض دائماً على حق؟
ليست بالنسبة إليه. هو كان يعتقد أن الحقيقة وحدها على حق. ولذا كان يرى أنه يجب تفهم ظروف الخصم. وفي رأيه أن السياسة الخارجية السوفياتية كانت مدفوعة بخوف الروس من الخارج. لكنه لم يرضِ الأميركيين وأغضب الروس. وأيام كان سفيراً في موسكو مرّ في برلين حيث عقد مؤتمراً صحافياً قال فيه إن حياته في السفارة تشبه حياته يوم كان في معتقل نوهايم الألماني، فما كان من ستالين إلا أن أبعده مع منع الحق في العودة.
عاش في برنستون حتى وفاته عن 93 عاماً: واحداً من أعظم حكماء العالم: «أنا لم أقل إن الروس عظماء. أنا قلت لماذا نرميهم بالقنبلة».