(( الواقع الجديد)) الثلاثاء 13 فبراير 2018
محمد النغيميش
دهشت قبل أيام حينما أجريت مكالمة هاتفية مع مأمورة بدالة «إلكترونية» في شركة آبل بلندن. حاولت بشتى الطرق خداعها بلهجات إنجليزية وأميركية ولكنات عربية وهندية وإسبانية متعمدة، في محاولة لتضليلها فلم أفلح. بعد نهاية الاتصال قالت: يبدو أنك تتحدث عن الحاسوب الذي اشتريته من المتجر الفلاني بالتاريخ الفلاني، فحولتني إلى القسم المعني، مع أنني لم أزودها بهذه المعلومة! وهو بالضبط ما كنت أريده. كان هذا الاتصال الخامس، كلها أصابتني بالدهشة. ما فاجأني أن الذكاء الصناعي للخدمة الآلية تطور بصورة مذهلة، فهو يجمع أعداداً هائلة من اللهجات والمعلومات، ليكون ذاكرة ذكية تستطيع فهم وحل المشكلة أو الطلب.
والأمر نفسه يحدث في نحو 3 آلاف مليون هاتف ذكي في جيوبنا، فما إن نقف في سوق محددة لنبحث في «خرائط غوغل» يستطيع بسهولة التنبؤ بيومياتنا، فيظهر المقهى المفضل في رأس قائمة الخيارات.
رغم أن العلماء يقولون بأن الذكاء الصناعي لم يصل بعد إلى منتهاه، لأننا في بداية الطريق، فإنه صار حالياً يقدم حلولاً غير مسبوقة؛ منها ما حاول مذيع «بي بي سي» اختباره في الصين، من سرعة تعرف الشرطة عليه في مكان عام تخفى فيه، فقبضوا عليه في بضع دقائق عبر كاميرات مراقبة ذكية، تشبه فكرة النظارات الشمسية الذكية التي ارتدتها الشرطة الصينية الأسبوع الماضي، للتعرف على المشتبه بهم في بلد المليار نسمة. وليس هذا فحسب، بل صار الذكاء يمكن المستخدمين من التعرف على مكان وجود المشتبه بهم من الشخصيات التي عادة ما يسير معها المتهمون مثل أصدقائهم أو أقربائهم. فالذكاء الصناعي صار يخزن ملايين الصور ليسترجعها في ثوان. فلم نعد بحاجة إلى رسام المتهمين أو المجرمين الفارين من العدالة.
ورغم «بدائية» الذكاء الصناعي الذي نعيشه، فإنه منحنا مقدرة على الوصول إلى كميات هائلة من المعلومات لم تكن متوافرة لدى الرؤساء الأميركيين بأذكى استخباراتهم قبل أربعة عقود، بل وتفوقت مقدرته الحسابية على عجائب ما كان لدى وكالة الفضاء الأميركية (ناسا) في الستينات.
ليس هذا فحسب، بل إن «المستقبل سيكون مدهشاً ويصعب تخيله» كما قال متحدثون أمس في القمة العالمية للحكومات الرائعة المنعقدة في الإمارات. فالسيارات ستسير بدقة أمان وكفاءة أعلى لا يمكنها أن تتصادم بعضها مع بعض، ونصف الشاحنات في أميركا سيتم تسييرها آلياً خلال أقل من عقدين. والمفارقة أنني رأيت أمس إعلاناً لشركة سيارات أميركية وضعت فتاة عربية في سيارة محجوبة الرؤية (بنوافذ سوداء)، وطلب منها أن تركن بتقنية الذكاء الصناعي سيارة في مرآب للسيارات، شريطة ألا تدهس دمى الأطفال والبالغين والمباني التي وضعت في طريقها المتعرج، وذلك فقط بالاعتماد على الكاميرا الخلفية المعروضة شاشتها أمامها. فنجحت في ركنها بكل سلاسة! وربما يتعرف علينا ذكاء المستقبل فور قدومنا للمكتب أو المنزل برائحة الجلد وحركة الجسد وبصمة المشية وليس بتقاطيع الوجه فحسب، وهي كلها عوامل إذا ما انصهرت في بوتقة واحدة ستحقق نتائج مذهلة.
ما يؤلم في كل هذا، أنه نبع أصلاً من الخيال العلمي أو الأساطير والقصص التي يرويها الناس، وكان البعض في مجتمعاتنا، وما زال، يزدريها لكونها نوعاً غير جاد من الأدب، لكنه أصبح أساساً للذكاء الصناعي. فالبساط السحري نراه في الذكاء الصناعي للطائرة التي لا يقودها فعلياً القبطان سوى دقائق معدودة ويتولى ذكاء الماكينات باقي المهمة. وكلما شاهدت مصباح علاء الدين الذي يلبي لنا العجائب، «فرحت»، لأن خيال أسلافنا قد تحقق، و«حزنت» لأن هذا الخيال لم يأت من أمة قدمت روائع الخيال في الشعر وألف ليلة وليلة، والسندباد، والمخترع الجزري الذي يروى أنه أول من تصور الإنسان الآلي الذي يمد لنا يد المساعدة.
فكم من فكرة خلاقة تخالج أذهان شبابنا لم تجد أذناً مصغية، رغم أن المبتكرين قناديل تنير طريق الإبداع والتألق.