الأحد , 24 نوفمبر 2024
husseinshobokshi-2

يد الأسواق «الخفية»!

((الواقع الجديد)) الخميس 8 فبراير 2018 

حسين شبكشي

مع كتابة هذا المقال يكون العالم قد بدأ في الاستفاقة من الصدمة العنيفة التي حصلت له جراء الهبوط الحاد والعنيف للبورصة الأميركية والتي تبعتها، كما هي العادة دوماً، سائر البورصات العالمية بلا استثناء.
مئات الملايين من الدولارات تم محوها من ثروات العديد من الأفراد والشركات والصناديق الاستثمارية. هذا «النوع» من الأيام بات يتكرر بشكل مستمر وأصبح بمثابة «الديتوكس» أو «الحجامة» المالية؛ يتخلص الجسد المالي من دم فاسد ثم يعاد له النمو بشكل مستمر مجدداً، ويطلق الخبراء والمتخصصون على كل ذلك اسماً مهذباً وملطفاً وهو «التصحيح»، بدلاً من المجزرة أو المذبحة أو المفرمة، كما يبدو أن هذا الاسم أوقع وأحق وأدق في الوصف.
لكن اليوم هناك توصيفاً تم تقديمه لتبرير هذا التصحيح، وهو أن الأسواق المالية تعاملت بقلق من خبر إيجابي، وهو استمرار تطور سوق العمل في أميركا وتواصل انخفاض مؤشرات البطالة بشكل مهم ومفرح، إلا أن الأسواق توقعت أن ذلك سيؤدي إلى نمو في معدلات التضخم؛ مما يعني أن معدلات الفائدة المصرفية حتماً ستزيد، وبالتالي ستنعكس هذه المسألة على أن تكون فرصة إيجابية لعوائد السندات الحكومية؛ مما ترجم لدى أصحاب قرارات الاستثمار بضرورة «بيع» الأسهم والخروج منها، وكان بالتالي أثر كرة الثلج الكبير الذي رأيناه يتحقق بشكل مستمر. إلا أن الأسواق اليوم باتت فيها آثار واضحة لمنظومة الذكاء الاصطناعي وعملية الإحصاء الذاتي، فالبرامج التي تقوم بإصدار أوامر الشراء أصبحت لديها «القدرة» على السير في الطريق السلبية والإيجابية كلتيهما أيضاً… وضع حد لإيقاف النزيف بعد مستويات محددة سلفاً، وبالتالي فإن القرارات وتبعات القرارات المتعلقة بحراك البورصة ليست بشرية بصورة مطلقة، وإنما توجد بها تدخلات ومؤثرات.
الأسواق المالية تتفاعل بالأخبار الإيجابية بشكل واضح، وتتخوف حذراً وبشكل استباقي من كل ما يمكن أن يكون سلبياً، المقولة القديمة المعروفة التي تقول إن رأس المال جبان هي مقولة صحيحة، وفي حال الأسواق المالية العالمية فإن رأس المال فيها ليس جباناً فحسب، بل مضطرب ومصاب بالفوبيا من كل ما يمكن أن يؤذيه.
الأسواق لديها القدرة على تعديل نفسها، ودورة إعادة رأس المال تأخذ وقتاً، ويبقى التحدي من «حجم» تأثير الذكاء الاصطناعي على نزاهة واستقلالية حراك السوق، وهل هو حراك بلا مستفيد. هذه هي نوعية الأسئلة التي تطرح اليوم من باب القلق على مستقبل الرأسمالية.
آدم سميث، أبو الاقتصاد الحديث وصاحب الكتاب الاقتصادي الأبرز والأهم كان يخشى من «المؤثرات الخارجية»، والاقتصادي الأميركي الكبير ميلتون فريدمان كان يقول إن «اليد الخفية» للأسواق كفيلة بإصلاح السوق، إلا أن اليوم اليد الخفية والمؤثرات الخارجية بات لها معانٍ أخرى مخيفة، ولا تُطمئن تفتح المجال للأسئلة الكبيرة التي لا إجابة شافية لها حتى الآن.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.