((الواقع الجديد)) الاثنين 5 فبراير 2018
ارنست مونيز
لقد خطا العالم صوب عهد نووي جديد بات فيه حدوث خطأ غير متعمد، لا هجوم نووي، هو الخطر الأكبر الذي يتهدد العالم، هو ما قد يتسبب في كارثة نووية إن حدث.
وبالفعل حدث أكثر من مرة أن تلقى الأميركان إنذارات بإطلاق صواريخ روسية وشيكة، لكن تبيّن لاحقاً أن الإنذار كان كاذباً بسبب خطأ بشري أو تقني. وكان الرئيس الروسي الأسبق بوريس يلتسين قد تلقى كذلك تحذيراً عن طريق الخطأ باحتمال شن هجوم أميركي بالصواريخ، عقب إطلاق صاروخ نرويجيّ مخصص للأبحاث العلمية.
فنحن نخدع أنفسنا عقب كل حادثة بالقول إننا نستطيع حل المشكلة باتباعنا تكنولوجيا وتدريباً أفضل، أو بأن نطمئن أنفسنا بأن دمج عنصري الاجتهاد والتوفيق الذي صادفنا خلال الحرب الباردة سوف يستمر. لكن هل نعتقد حقاً أنه باستطاعتنا منع كارثة نووية في عالم يضم 9 دول تمتلك أسلحة نووية ويتملكه شكوك، وتسيطر عليه عداوة متبادلة بين العديد من الدول؟
إن المخاطر المترتبة على الأخطاء البشرية عند استخدام الأسلحة النووية تتضاعف، فقراصنة الإنترنت، أو ما يُعرف بـ«الهاكرز»، قد يُقدمون على إدخال إنذار كاذب بهجوم نووي إلى أنظمة الإنذار الوطنية، وينسبون ذلك الهجوم إلى دولة بريئة. ففي ذروة أوقات التوتر العالمي، وفي ظل التواصل والتعاون المحدود بين الخصوم النوويين، وفي ضوء الدقائق المعدود المتاحة لاتخاذ القرار، كيف سيكون رد فعل رؤساء الدول التي تملك أسلحة نووية؟
فقد أعلنت إدارة ترمب مؤخراً عن عزمها تعزيز دور الأسلحة النووية لتتعدى حدود ردع الهجوم النووي على الولايات المتحدة وحلفائها. وتقول استراتيجية الأمن القومي الجديدة للولايات المتحدة إن ترسانة الأسلحة باتت الآن «ضرورية» لا لمنع الاعتداءات النووية فحسب، بل أيضاً لردع «الهجمات الاستراتيجية غير النووية والاعتداءات التقليدية الواسعة»، وكذلك استخدمت مسودة «مراجعة الوضع النووي» الأميركي اللغة نفسها. ولذلك سيتسبب التوسع في الهجمات التي تستخدم الأسلحة النووية في مواجهتها -والتي قد تتضمن هجمات إلكترونية استراتيجية- في زيادة احتمالات سوء التقدير والخطأ. لنفترض أن هجوماً إلكترونياً استهدف شبكة الكهرباء لدينا، فهل سنتمكّن بثقة وبسرعة من معرفة الدولة المعادية؟
ولو أن روسيا والصين والهند وباكستان وغيرها من الدول تبنت سياسات مشابهة، فهل سنسير في طريق يصبح فيه استخدام السلاح النووي أمراً وارداً بدرجة كبيرة؟ ولذلك يتحتم على جميع تلك الدول العمل على وجه السرعة سواء بصورة فردية عند الضرورة وبصورة جماعية إن أمكن، لسن سياسات يمكنها تقليل المخاطر التي تواجه جميع الشعوب. ولذلك فنحن نوصي بثلاث خطوات ضرورية كالتالي: أولاً- على الدول التي تمتلك أسلحة نووية أن تراجع وتحمي نفسها من مخاطر الإنذار النووي. ويجب أن ينصبّ التركيز على تصحيح الضعف الحالي، وإعداد إجراءات للمراجعة والتقييم والتحديث المتواصل. ويمكن تبادل بعض الاكتشافات والنتائج بين القوى النووية. وعلى كل دولة أن تدرك أن الهجوم الإلكتروني ضد التحذير النووي، وضد نظام التحكم والمراقبة هو بمثابة الوصفة لكارثة عالمية.
ثانياً- على الرغم من الاختلافات الجوهرية في العديد من القضايا العالمية، ينبغي على الولايات المتحدة وروسيا وغيرهما من الدول النووية أن تعمل معاً في المجالات ذات الاهتمام المشترك، أهمها تقليل مخاطر احتمال حدوث خطأ نووي. فبمجرد انطلاقه، لن يكون بالإمكان إيقاف الصاروخ الباليسيتي قبل أن يصل إلى هدفه.
إن إزالة الأسلحة النووية الأميركية والروسية من منطقة الحرب الباردة، فيما تُعرف بمناطق «الإطلاق الفوري» التي يمكن من خلالها الانطلاق، وإصابة أهدافها في غضون دقائق، من شأنه أن يزيد المهلة المتاحة أمام القادة لاتخاذ القرار. وإن فعلنا ذلك، ستضرب واشنطن وموسكو المثل لكل الدول التي تمتلك أسلحة نووية. ويجب أن يفوض رؤساء تلك الدول قادتهم العسكريين لتجربة تلك الخطوة، وذلك لمنح أنفسهم المزيد من الوقت قبل الإقدام على ضغط زر لإطلاق صاروخ نووي.
ثالثاً- على الولايات المتحدة وروسيا تعزيز المبدأ الذي لطالما نادى رونالد ريغان وميخائيل غورباتشوف بأن الحرب النووية لا يمكن الانتصار فيها، ولا يجب خوضها من الأساس. هل نسيت القوتان العظميان ذلك الاكتشاف التاريخي القوي الذي كان ضرورياً لإنهاء الحرب الباردة؟
الأولوية الملحّة الآن يجب أن تكون حشد القوى النووية لمنع استخدام السلاح النووي وتقليص احتمالية حدوث إطلاق عن طريق الخطأ. وفي هذا السياق، فإن المبدأ الروسي الذي يقول بأن «الهجوم خير وسيلة للدفاع»، والذي يقضي بتصعيد الدولتين لضمان كل دولة الدفاع عن نفسها وفق شروطها الخاصة، من شأنه أنه يجعل العالم مكاناً أكثر خطورة. ولذلك على الولايات المتحدة أن تعمل في سبيل إيجاد رادع آمن وموثوق لاستخدام السلاح النووي. لكن هذا لم يعد كافياً في عالم اليوم، فلا يزال هناك ما يكفي من الوقت أمام العالم للعمل على وضع حد لتهديدات السلاح النووي، وذلك باتخاذ إجراءات لتقليص خطر وقوع حادث أو ارتكاب خطأ غير متعمد أو سوء حساب. فهذا هو المبدأ الأهم والهدف الأسمى الذي يجب أن يحدد شكل السياسة النووية لإدارة الرئيس ترمب.