((الواقع الجديد)) الخميس 1 فبراير 2018
حسين شبكشي
أتلقى بصورة مستمرة عشرات الدعوات لحضور مؤتمرات وندوات ومنتديات ولقاءات ومعارض تتراوح شعاراتها بين السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية والثقافية، وتحول الكثير منها إلى عملية «قص ولزق»، نسخ مكررة وبعضها تبدو مشوهة.. نفس الوجوه ونفس المواضيع، وبعض المناسبات تتكرر بشكل «دوري» يتم فيها تغيير موقع المدينة أو الدولة المستضيفة، ولكن يتم التعاطي مع المناسبة بنفس الأسلوب والرتابة. وهذا الأمر يظهر بشكل جلي في معظم المناسبات الدورية التي يتم الاحتفاء فيها باختيار مدينة ما عاصمة للثقافة الإسلامية.
هذا ما جال في خاطري وأنا أتلقى دعوة حضور حفل إطلاق مدينة المحرق عاصمة للثقافة الإسلامية لعام 2018 بالبحرين، ولكن ما شجعني على قبول الدعوة هو أنها في البحرين التي تبنت منذ فترة نهجاً واضحاً وصريحاً تحترم فيه الثقافة كواجهة تعكس حضارة البلاد العميقة وأسلوب التنوع والتعايش الراقي الفريد من نوعه في الخليج العربي. ولم يخب ظني، فلقد كانت الفعاليات التي صاحبت انطلاقة الإعلان عن مناسبة اختيار المحرق عاصمة الثقافة الإسلامية أقل ما يقال عنها أنها «مبهرة» و«مميزة» و«مختلفة» و«فريدة من نوعها»، بحسب ردود الفعل من كوكبة الحضور والضيوف المميزين الذين أتوا من شتى بقاع العالم، وتم في الفعاليات تقديم الثقافة بشكل دسم ومثير وجذاب ومتكامل.
قديماً كانت هذه الفعاليات تكون مكونة من خطبة عصماء لشخصية مقطبة الحاجبين، بصوت عصبي غليظ ومرتفع ويشير بالسبابة إلى ذات اليمين وذات الشمال وبعدها يتم إلقاء قصيدة شعرية.. أما هذه المرة فقد كانت المناسبة مليئة بأنغام عذبة الإنشاد على أصوات العزف الجميل، وعروض سينمائية جميلة معدة فنياً بشكل أخاذ وجاذب، آثار وفنون ورسوم تشكيلية ومأكولات وكتب ومحاضرات غنية، كلها تقدم احتفالاً بالمحرق وتاريخها العريق الغني والفريد في التعايش والتسامح والانفتاح والقبول، والذي يعكس حضارة دلمون قديماً والبحرين حديثاً.
لقد كان التنظيم مبهراً وأعد بدقة متناهية من قبل هيئة البحرين للثقافة والآثار التي تمكنت من جعل «كل البحرين» معنية بنجاح هذه المناسبة، فالجميع كان يبدي الاستعداد للمساعدة في أي سؤال وبنفس وروح إيجابية للغاية.
هذه النوعية من المناسبات «الحية» و«التفاعلية» تعكس بشكل حقيقي وعملي روح التسامح والإبداع والابتكار الموجودة في روح الإسلام، التي اكتشفها أهله من الصين إلى أفريقيا، وأبدعوا من خلالها بالإنشاد والموسيقى وفن الخط والطهي والرسوم والنحت والنسيج والحياكة والتجارة والفخار وأشكال أخرى من التصميم الفني الإبداعي يعكس حضارات وشعوباً وأمماً «تعارفت» كما أمرنا الإسلام، فانعكس ذلك على «الثقافة» الشاملة التي تجمع ولا تفرق، توائم ولا تشرذم وتسالم ولا تحارب.
حفلة إطلاق المحرق عاصمة للثقافة الإسلامية كانت «رحلة حب» أطلقتها هيئة البحرين للثقافة والآثار، وانعكس ذلك على وجوه الحضور جميعاً، الذين لم تغادر وجوههم الابتسامة وعلامات الرضا والإعجاب.
الإكثار من هذه النوعية من المناسبات الإيجابية لعمري هو أبلغ وأوقع وأشد تأثيراً من الخطب والقصائد التي يتم الصرف عليها بسخاء اعتقاداً أنها مؤثرة، ولقد ثبت فشلها بشكل معيب.
تحية للبحرين وللمحرق على حسن الضيافة وحسن الاختيار.. رفعوا السقف وصعبوا المهمة على من سيأتي بعدهم، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون.