السبت , 16 نوفمبر 2024
justin-fox

عندما تكون التكنولوجيا مستوردة يصعب الابتكار

((الواقع الجديد)) الاربعاء 31 يناير 2018 

جستن فوكس

بدأت صناعة النفط أول الأمر في ولاية بنسلفانيا في عام 1859، ولقد لعب الأميركيون دوراً رائداً في هذه الصناعة منذ ذلك التاريخ. وحتى مع تراجع الولايات المتحدة كأكبر منتج للنفط الخام في العالم في سبعينات القرن الماضي، فإنها ظلت المصدّر الأول عالمياً للمعدات والخبرات في هذه الصناعة. وتعتمد قوائم أكبر منتجي النفط والغاز الطبيعي غير الحكوميين، وأكبر مزودي المعدات والخدمات لحقول النفط بالأساس على الشركات الأميركية، وتعد «هيوستن» أكبر مدينة تضم مقرات الشركات الكبرى العاملة في صناعة النفط والغاز الطبيعي على مستوى العالم. وفي السنوات الأخيرة، حققت التكنولوجيا وريادة الأعمال طفرة كبيرة في الإنتاج جعلت من الولايات المتحدة مرة أخرى أكبر مصدّر للنفط والغاز الطبيعي والمواد الهيدروكربونية في العالم، ومن المتوقع قريباً أن تقفز مجدداً لتحتل الصدارة العالمية في إنتاج النفط الخام.
وبالنسبة إلى الطاقة المتجددة، كانت الأمور تتطور بصورة مختلفة قليلاً. فلقد تم تطوير الخلايا الشمسية العملية الأولى –كما كان الحال بالنسبة إلى أشياء كثيرة أخرى– في مختبرات بيل في خمسينات القرن الماضي، وظلت الولايات المتحدة ولفترة طويلة هي الرائدة، بلا منازع، في مجال تكنولوجيا الطاقة الشمسية. وخلال الأزمة النفطية في سبعينات القرن العشرين، حققت الولايات المتحدة الاستثمارات الكبيرة في طاقة الرياح. وبعد ذلك، ورغم كل شيء، شهدت المصالح والاستثمارات المعنية بطاقة الرياح والطاقة الشمسية الكثير من التقلبات بسبب السياسات المتضاربة وأسعار النفط العالمية. واعتباراً من عام 2016، ووفقاً لأحدث البيانات الصادرة عن وكالة الطاقة الدولية، احتلت الولايات المتحدة المركز الرابع عالمياً في مجال الطاقة الشمسية الضوئية المثبتة، وتأتي في ذلك المجال بعد الصين، واليابان، وألمانيا. وتحتل الولايات المتحدة المركز الأول عالمياً في مجال توليد الطاقة من الرياح في عام 2015، وفقاً لإدارة معلومات الطاقة الأميركية، ولكن يبدو أن الصين على يقين من تجاوز المركز الأميركي في ذلك قريباً إن لم تكن قد حققت ذلك بالفعل. ولعل الأهم من ذلك، وعندما يتعلق الأمر بصناعة معدات الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، فإن الولايات المتحدة ليست هي اللاعب الوحيد في هذا المضمار. فهناك شركة أميركية واحدة فقط (شركة «جنرال إلكتريك») بين أكبر 10 شركات عالمية تعمل في صناعة توربينات الرياح، إلى جانب شركة أميركية واحدة أيضاً (شركة «فيرست سولار» التي تصنع أغلب معداتها في ماليزيا) هي بين أكبر 10 شركات عالمية تعمل في صناعة الخلايا الشمسية. وتستقر صناعة طاقة الرياح بالأساس في القارة الأوروبية، ويزداد توسع صناعات الطاقة الشمسية على نحو مطرد في الصين.
وفي الأسبوع الماضي، كما أنا متأكد أنكم علمتم بذلك، فرضت إدارة الرئيس ترمب تعريفة جديدة بواقع 30% على واردات الخلايا الشمسية المعينة، والتي خلصت لجنة التجارة الدولية الأميركية في الخريف الماضي إلى أنها تخضع لتسعيرات غير منصفة تهدد الصناعات الأميركية في نفس المجال. وكان أغلب التغطية الإعلامية لقرار الحكومة الأميركية يركز على آثاره على صناعة الطاقة الشمسية الأميركية، والتي تستعد لمواجهة القرار الحكومي الذي سوف يسفر عن ارتفاع أكيد في التكاليف. وهو أمر منصف للغاية. ولكن، أليس من الأفضل بالنسبة إلى الولايات المتحدة أن تملك نصيباً أكبر من صناعة الخلايا الشمسية محلياً؟
وهناك عدة أسباب وراء ضرورة ذلك بالنسبة إلى الاقتصاد الأميركي. وأكثر تلك الأسباب إثارة للجدل وأقلها إقناعاً هو أن ذلك سوف يؤدي إلى خلق المزيد من فرص العمل الصناعية، إذ إن مهام تركيب وصيانة معدات طاقة الرياح ومعدات الطاقة الشمسية تستلزم تعيين الكثير من الموظفين أكثر من عمال الصناعة، وتوقع مكتب إحصاءات العمل، العام الماضي، أن من المهن ذات النمو السريع من حيث الوظائف في الولايات المتحدة على مدى السنوات العشر المقبلة هي تركيب الخلايا الشمسية الضوئية والفنيين العاملين في خدمات توربينات الرياح. وإنْ كانت الوظائف هي المقياس، فإن المحافظة على الألواح الشمسية رخيصة تبدو أكثر أهمية من صناعتها هنا.
ومن أفضل الحجج التي طرحها غاري بيسانو من كلية إدارة الأعمال بجامعة هارفارد، منذ ما يقرب من عقد من الزمان، هي أن قدرات التصنيع تساند الابتكار والنمو الاقتصادي. وإذا تركناهم يستثمرون في الخارج، فسوف نفقد الكثير من مجرد وظائف الإنتاج المحلية. وقد خلصت دراسة حديثة أعدها السيد بيسانو بمشاركة من ديفيد أوتور، وديفيد دورن، وغوردون هانسون، وبيان شو، إلى أنه، على سبيل المثال، الشركات الأميركية التي تعرضت لارتفاع مستوى المنافسة على الواردات الصينية قد حازت العدد الأدنى من براءات الاختراع (وهي بديل الابتكار) وخفضت كذلك من الإنفاق على جهود البحث والتطوير.
وفي دراسة نُشرت عام 2012 تحت عنوان «النزعة التجارية الخضراء: تهديدات اقتصاديات الطاقة النظيفة»، من تأليف ماثيو ستيب وروبرت أتكينسون من مؤسسة تكنولوجيا المعلومات والابتكار، وهي مؤسسة بحثية ثنائية التوجهات في العاصمة واشنطن، حاولوا تجاوز الأمور خطوة واحدة نحو الأمام حين قالوا إن استخدام الصين للإعانات، والقيود التجارية، والتلاعب بالعملات، وسرقة الملكية الفكرية بهدف تعزيز شركات صناعة معدات الطاقة الشمسية وطاقة الرياح المحلية، قد ألحق الأضرار بالابتكارات في مجال الطاقة ليس فقط في الولايات المتحدة ولكن على مستوى العالم. والمنهج الصيني، كما قالوا، من غير المرجح أن يسفر عن «موجات متلاحقة من الإبداع والابتكار» بأكثر من الاستراتيجية القائمة على «الدعم الواسع للابتكار (بما في ذلك دعم التعليم والمهارات، والتدريب، والتجارة التنافسية، والهجرة، والسياسات الضريبية) فضلاً عن تمويل الأبحاث، والتطوير، والتوزيع المعززة للابتكار في مجال الطاقة النظيفة».
ومن غير المستغرب ترحيب السيد أتكينسون بالقرار الحكومي الأميركي الأخير. ولقد أخبرني الأسبوع الماضي عبر الهاتف قائلاً: «إنها تبعث على الأقل برسالة إلى الصينيين أنه لا بد من وجود عواقب أكيدة لهذا السلوك التجاري الخبيث»، ولكنه قال أيضاً إن الأمر الأكثر صرامة على واردات الطاقة الشمسية الصينية، والذي بدا فعلياً خلال الفترة الثانية من ولاية الرئيس الأسبق باراك أوباما، قد جاء متأخراً للغاية. والسياسة الأفضل، في تصوره، كانت سوف توصد الباب تماماً في وجه الجواد الصيني حتى لا ينفذ منه إلى الخارج قط.
ويقول السيد أتكينسون إن أفضل منهج ينبغي على الحكومة الأميركية اتخاذه في المستقبل هو النظر إلى ما هو أبعد من مجرد التكنولوجيات الحالية، وأضاف: «ما التكنولوجيا التحويلية المقبلة في مجال الطاقة الشمسية؟ وكيف يمكننا أن نتصدر زعامة العالم في هذا المجال؟».
إن طرح هذا السؤال أيسر كثيراً من محاولة الإجابة عنه بطبيعة الحال. ولا تزال الولايات المتحدة تبدو أرضاً خصبة لإنشاء شركات الطاقة المبتكرة، إذ إنها تحتل المركز الخامس، بعد 4 بلدان ذات الناتج المحلي الإجمالي الأصغر كثيراً، على مؤشر الابتكار العالمي في مجال الطاقة النظيفة، والذي يعمل على قياس المواضع التي يمكن لشركات الطاقة النظيفة الرائدة، وفقاً للناتج المحلي الإجمالي، أن تنشأ وتظهر خلال السنوات العشر المقبلة. وكما هو الحال في صناعة النفط والغاز الطبيعي، فإن المعرفة والدراية التكنولوجية الأميركية وديناميكية الأعمال هي الأفضل عالمياً.
ولكن من المفيد أن نفكر في العناصر الأخرى التي مكّنت صناعة النفط والغاز الطبيعي الأميركية من لعب هذا الدور الريادي العالمي المستدام. ومن الأصول البارزة كان وجود كميات هائلة من النفط والغاز الطبيعي تحت الأرض وفي قاع المحيط القريب. ولم يتخذ هذا الدعم شكل المزايا القانونية فحسب (أغلب الحقوق المعدنية في الولايات المتحدة تخضع للملكيات الخاصة، وهي ليست من الممتلكات الحكومية كما هو الأمر في دول أخرى)، والإعفاءات الضريبية (والتي ترجع على الأقل إلى قانون الإيرادات الصادر عام 1916)، ولكن ساهمت الإنفاقات العسكرية الهائلة في حماية مصالح الولايات المتحدة وشركاتها النفطية العملاقة العاملة في الخارج.
ومنذ عام 2005، كانت الأفضليات الضريبية المخصصة للوقود المتجدد أكبر من تلك الموجهة إلى النفط والغاز الطبيعي. غير أنها أقل حماية تحت الإدارة الجمهورية من الإدارة الديمقراطية (على الرغم من أنها تجاوزت مشروع قانون الضرائب العام الماضي من دون إصابات تذكر)، وأعتقد أنه من صائب القول: إن السياسات الأميركية إزاء مصادر الطاقة المتجددة منذ سبعينات القرن الماضي كانت تتسم بالتناقض أكثر من أي شيء آخر. مما يحمل قدراً معتبراً من المعاني: مصادر الطاقة المتجددة هي المنافس الأول لمصادر الوقود الأحفوري. وتتزعم الولايات المتحدة العالم في صناعة الوقود الأحفوري. وسوف يكون من العسير بسط الهيمنة الأميركية على كلتا الصناعتين، الصناعة القائمة فعلياً، وتلك الأخرى التي تحاول إزاحتها من الطريق. 

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.