((الواقع الجديد)) الاربعاء 31 يناير 2018
محمد رضا
في قاعة العروض الرئيسية في مهرجان برلين، أحرص على الجلوس إلى الجهة اليسرى من الصالة، في النصف الخلفي منها. لكن في قصر المهرجانات في «كان»، أختار مقعدي في الجهة اليمني، في صف متوسط المسافة بين آخر صف والشاشة. وفي القاعة الرئيسية لمهرجان فنيسيا، أجلس عادة إلى يمين القاعة، في قاعة ثانية (اسمها درسينا)، أتخذ موضعاً قريباً من منتصف الشاشة يميناً ويساراً.
هل أعرف السبب؟ لا، مطلقاً. حدث ذات مرّة أن قررت كسر العادة في «كان»، فجلست إلى يسار الصالة، لكني لم أكن مرتاحاً على الإطلاق؛ شعرت كما لو كنت في صالة أخرى، وربما في مهرجان آخر. المحيطون بي لديهم العادة ذاتها أيضاً، لذلك لم أجد أي وجه أعرفه، ولا ريب أني بدوت غريباً للبعض.
العادة هي إما تقليد يختار العمل به شخص ما، أو حركة عصبية لا قدرة له – غالباً – على التحكم فيها، مثل أن يحك أذنه عند الكذب، أو يفرك أصابع يده من دون مناسبة، أو ينطق بكلمة معينة أكثر من سواها. لكن العادات الناتجة عن قرار ما في السابق، كالبدء بحلق الجانب الأيمن من الوجه قبل الجانب الأيسر، هو المثير للغرابة إذا ما لوحظ.
لكن الحياة كلها تبدو كما لو كانت تتبع عادات كهذه.
الكاتب فرانز كافكا كانت لديه عادة النوم يومياً من الساعة السابعة والنصف مساءً حتى الساعة الحادية عشرة ليلاً، يتبع ذلك قيامه بالكتابة من الحادية عشرة حتى الساعة الثانية صباحاً.
الرئيس بنجامين فرانكلين كان يصحو في الرابعة صباحاً، ويؤم عمله في الثامنة. بعض الحكايات عنه تقول إنه كان يمسك بالريشة التي سيكتب بها قبل ربع ساعة من الكتابة؛ يضعها بين أصابعه ولا يفعل شيئاً آخر.
وتختلف العادات وتتكاثر: ترى ما الذي جعل الكاتب الياباني هاروكي موراكامي يصر على أن يختار الساعة الثانية عشرة ليلاً لكي يركض 1500 متر؟ لماذا كان الرسام سلفادور دالي يصر على الخروج وفي جيب بذلته علبة سغائر خالية من السغائر؟
المسرحي والشاعر الألماني فردريك شيلر كان يحتفظ بتفاح فاسد على مكتبه، ويؤكد أنه لا يعرف الكتابة إلا بوجوده. والجنرال ستونوول جاكسون، الذي حارب إلى جانب الانفصاليين خلال الحرب الأهلية الأميركية، عوّد نفسه على السير رافعاً إحدى يديه، على اعتقاد أن ذلك يبقيه متوازناً. ومن هي الكونتيسة التي كانت تصر على أن تأخذ حماماً من الحليب كل يوم؟
في الحقيقة، إن لكل منا عادة ما لا تفسير لها، أو لا تفسير مرضياً لها سوى أنها تسبب له راحة ما؛ ترضيه هو شخصياً، تجعله يشعر بأنه مستقر، ما زال يملك قراره بيده، تماماً مثل أي شخص لديه كرسيه المفضل في المقهى المفضل، يرتاح له ويشعر بسببه بأنه ما زال ثابتاً على وضعه، رغم صلاحية الكراسي الأخرى، وحتى المقاهي على امتدادها.
جدي، رحمه الله، كان يأتي لزيارتنا لمشاهدة التلفزيون في الساعة التاسعة إلا عشر ليلاً لمشاهدة نشرة الأخبار، لأنه لم يملك تلفزيوناً في البيت. وإذا ما وجد المقعد الذي اعتاد عليه مشغولاً، وقف ولم يقل كلمة واحدة حتى يقوم الجالس من مكانه.
عادة أخرى لجدي عبد الرحمن… كان يغط في النوم العميق حال تبدأ النشرة، ويستيقظ فقط عندما تنتهي!