((الواقع الجديد)) الاثنين 29 يناير 2018
سمير عطاالله
يسميها الكتّاب «خواطر» لأنهم لا يعرفون متى تخطر لهم! يسميها آخرون «سوانح». هي في الغالب أفكار منفصلة وغير مترابطة، لكنها مكتملة في حد ذاتها. هذه خواطر خطرت ذات عشية، وحاولتُ أن أضعها تحت عنوان واحد: القرن التاسع عشر.
الثلاثة الذين قرأت أشياء منهم منذ بعد الظهر عاشوا في القرن المذكور: الفرنسي فيكتور هيغو، البريطاني تشارلز ديكنز، الروسي ماكسيم غوركي. الثلاثة بنوا مجدهم الأدبي، ومجد بلدانهم، على حكايات البؤس والفقر والظلم الاجتماعي. اثنان منهم، غوركي وديكنز، عرفا أشد وأمضى حالات العوز والعذاب. الأول (اسمه الحقيقي ألكسي بشكوف) عمل عند مصور وهو في التاسعة، وفر من عمله ليغسل الصحون على ظهر باخرة. وفي الخامسة عشرة، عمل خبازاً وحمالاً ومتسولاً، إلى أن نشر روايته الأولى «الحب القاتل»، فبدأ نجاحه الأدبي الذي اعتبر مُلهماً للثورة الروسية. ديكنز عمل وهو في الثانية عشرة في مدبغة للجلود «سوداء أكثر من مداخن لندن».
على عكسهما، كان هيغو من عائلة ثرية، ودخل «ليسيه لوي لغران»، أهم مدارس باريس، لكنه بنى مجده الأدبي، ومجد فرنسا، على رواية «البؤساء» وبعدها «أحدب نوتردام»؛ الأولى في القهر البشري المفروض، والثانية في القهر المولود. الثلاثة كان لهم أكبر الأثر في تاريخ بلدانهم: هيغو كان خصماً لنابليون الثالث، وغوركي أصبح صديق ستالين، وديكنز كان يحرك سياسات لندن أحياناً بمقالاته الأسبوعية.
الثلاثة، المولود ثرياً والمولودان تحت سطح الفقر، اشتهروا بالغراميات. الفقيران دفنا في أعلى المراكز الرمزية: ديكنز في ويستمنستر آبي، في جنازة خاصة بناء على وصيته. غوركي حضر جنازته ستالين ووزيره مولوتوف، ودفن رماده في جدار الكرملين. وسار خلف نعش هيغو مليونا فرنسي، في أكبر جنازة في تاريخ البلاد.
وفقاً للمقابلات الصحافية التي أجريت معهم، لم يتأثر أي من الروائيين العرب الكبار بأي من الأدباء الثلاثة. نجيب محفوظ سمى من الفرنسيين بلزاك – لا هيغو، ويوسف إدريس سمى من الروس دوستويفسكي – وليس ماكسيم غوركي. لكن في مرحلة طويلة، كان اليساريون العرب يشيدون بغوركي، ويعتبرونه رمزاً للرواية الطليعية. غير أن موجة غوركي ما لبثت أن خفّت في الاتحاد السوفياتي نفسه، وتضاءل تقييمه أدبياً، حتى من قبل عمالقة اليسار مثل نيكوس كازانتزاكيس، عبقري الأدب اليوناني المعاصر.