((الواقع الجديد)) الاربعاء 24 يناير 2018م
مايكل سترين
خلال الإغلاق الأخير للحكومة الأميركية قبل هذا الذي كان في عام 2013 لفت الصحافي ماكس فيشر انتباهي إلى أستراليا. ففي عام 1975، لم تتمكن السلطة التشريعية هناك من العمل سوياً لأجل تمويل الحكومة فأدى الأمر إلى إغلاق الحكومة. وأصدر ممثل الملكة إليزابيث الرسمي في أستراليا – ولا تنس أنها أيضا ملكة أستراليا – قراره بعزل رئيس الوزراء الأسترالي، وعيّن بديلاً له ذلك الذي تمكن من تمرير مشروع قانون تمويل الحكومة، ومن ثم، وبعد ثلاث ساعات فقط، أعلن الممثل الملكي حل البرلمان الأسترالي. وتم إجراء انتخابات تشريعية جديدة في البلاد. ووفقا للسيد فيشر: «لم يحدث إغلاق للحكومة الأسترالية منذ ذلك الحين وحتى الآن».
والآن، فإن الحكومة الأميركية تعاني من اختلال وظيفي عند أعلى مستوياته، ولذلك من المثير للاهتمام أن نتساءل ما قد يتعلمه الأميركيون من الأستراليين في هذا الصدد. ليس هناك أحد في بلادنا على استعداد لمنح الملكية البريطانية السلطة على الحكومة الأميركية. ولكن، وكفكرة تدعو للتسلية، دعونا نتصور ما إذا كان هناك شيء يمكن أن يُقال عن النظام البرلماني الأميركي.
إنني أجد نفسي مدفوعاً للتفكير بهذه الطريقة نظراً لأن الحزبين الأميركيين الكبيرين اللذين أضعفت قواهما النزاعات الداخلية، يتصارعان بمرارة من أجل الحكم، في وقت يتسم بالتحزب والتحيز الشديد.
ولنضرب مثالاً بالحزب الجمهوري، والذي يضم بين جنباته في الوقت الراهن الكثير من أنصار النزعة الدولية الذين يرغبون في تطويع القوة الأميركية لتشكيل وجه الأحداث العالمية، إلى جانب الانعزاليين الذين يعتقدون أن العالم سيكون أفضل حالاً إن تخلت عنه الولايات المتحدة واهتمت بشؤونها الداخلية، وأنصار التجارة الحرة، وأولئك المعارضين للتجارة الحرة الذين يريدون من الولايات المتحدة الانسحاب من اتفاق التجارة الحرة بأميركا الشمالية، ودعاة الحدود المفتوحة، والقوميين الإثنيين، أي أولئك الذين يرغبون في تقليص مساحة الاستحقاق، وعلى رأس كل ذلك الرئيس الذي يتعهد بعدم المساس بنظام الضمان الاجتماعي أو الرعاية الطبية.
وبالنظر إلى هذه القائمة، فمن المغري أن نستنتج أن وجود حزبين فقط لا يكفي بحال من الأحوال في الولايات المتحدة.
تملك الولايات المتحدة نظاماً انتخابياً يستطيع الفائز فيه الاستحواذ على مقاعد الكونغرس كافة، وبمزيد من الأهمية، في الولايات كافة تقريباً كجزء من نظام الهيئة الانتخابية في الانتخابات الرئاسية. فإذا ما فزت بعدد وافر من الأصوات في أي منافسة انتخابية، فإنك لا محالة الفائز. وليست هناك جوائز لأصحاب المركز الثاني، أو الثالث، أو الرابع. وهكذا، فإن الفصائل تعمل سوياً، كما لو أنها يجمعها شريط لاصق أو حبل إنقاذ متين. ومن ثم تنشأ منافسات الند بالند.
فإذا كان في الولايات المتحدة نظام برلماني، بدلا من النظام الرئاسي القائم على أن الفائز يستحوذ على كل شيء، يسمح بإدراج الكثير من الأحزاب السياسية في العملية الانتخابية، فلن يكون هناك مجال لزيجات ما بين الأحزاب، وسوف يكون للمواطنين تمثيل حزبي واضح في الحكومة التي تتطابق بشكل وثيق مع الرؤى السياسية والحزبية.
لذا، وفي حين أن الكونغرس والرئيس يتحركان على مسار العمل الجاد لإعادة تشغيل الحكومة الأميركية بصورة غير جادة إلى درجة ما – فلقد وصفت نانسي بيلوسي زعيمة الديمقراطيين في مجلس النواب خطة الحزب الجمهوري لتمويل برنامج التأمين الصحي للأطفال بأنه «لعبة أطفال سخيفة» – فدعونا نصرف أنفسنا عن ذلك بالتفكير في نوعية الأحزاب التي قد تنضم إلى نظامنا البرلماني.
من المحتمل أن يكون من بينها حزب الخضر المكرس لمكافحة التغييرات المناخية. وحزب جبهوي يُعنى بقضية واحدة وهي قضية الناخبين المؤيدين للتعديل الثاني بالدستور. وحزب قومي إثني – وأنا لست متأكداً من اسمه بعد ولست أسعى للتكهن هنا – تنتظم أهدافه حول إغلاق كامل للحدود الأميركية (مع المحافظة على القوانين الكونفيدرالية). وحزب ديمقراطي اشتراكي يناصر، على سبيل المثال، قضية الدخل الأساسي الشامل ونظام الرعاية الصحية الممول من المدفوعات الضريبية.
فما هي القواسم المشتركة بينهم؟ إما التركيز الشديد على قضية أو قضيتين، أو قاعدة دعم وتأييد محدودة النطاق، أو كليهما.
وبناء على المساحة الهائلة للولايات المتحدة، والتنوع الكبير في الخبرات التي تسمح بها هذه المساحة، فإن تخميني يقول إنه لن يظهر أي حزب مهيمن. وبدلا من ذلك، سوف تحظى الولايات المتحدة بالكثير من الأحزاب متوسطة الحجم. وبالنسبة لقائمتنا من الأحزاب الصغيرة، دعونا نضيف حزباً للمحافظين الاشتراكيين، وهو حزب مؤيد لعالم المال والأعمال ويتألف من المحافظين الاقتصاديين وأنصار النزعة الدولية، وحزب آخر للمحافظين الماليين المؤيدين للانعزالية مع ميل تحرري واضح.
ولا يبقى أمامنا سوى حزب وحيد وأخير، وهو أكبر من الثلاثة المذكورين آنفا، وهو حزب أكثر عملية وأقل دفعا بالفلسفات الشاملة لتوجهاته، وهو الحزب الذي يحاول إيجاد الحلول للمشاكل بغية الحصول على المزيد من أصوات الناخبين. مما يتركنا مع صورة لحزب ديمقراطي جمهوري وسطي تتركز سياساته بالأساس على قضايا المعايش اليومية للمواطنين.
كيف كان يمكن للسنوات العشر المنقضية أن تبدو في ظل نظام كهذا؟ كان يمكن لائتلاف أوباما أن يتكون من هذه الجزئيات، بالإضافة إلى المحافظين الماليين المؤيدين للانعزالية (والذين توسع تأثيرهم في أعقاب حرب العراق)، وحزب الخضر، وحزب الديمقراطيين الاشتراكيين.
ولن يؤدي أي من ذلك إلى تقليص الدافع الشعبوي في البلاد، والذي أصبح من العوامل المهمة في مختلف برلمانات العالم، في أعقاب الأزمة المالية العالمية وفترة التعافي المطولة من الركود الكبير. ومن شأن القوميين الإثنيين، والحزب الجبهوي، والديمقراطيين الاشتراكيين أن يحصلوا على مكاسب كبيرة – والناس يشعرون بقلق كبير، ويتجهون دائما إلى الداخل، ويرغبون في الأمن والأمان لأنفسهم. وسوف يتلقي البراغماتيون اللوم على الركود وعلى عجزهم عن استعادة النمو الاقتصادي بوتيرة أسرع، كما سوف يفقدون المقاعد في هذا البرلمان الأميركي الخيالي.
ومن أبرز الاختلافات المحتملة والمهمة في هذا التاريخ البديل هو أن المحافظين الاشتراكيين والمحافظين الاقتصاديين الدوليين، قد لا ينتهي بهم الأمر في تشكيل ائتلاف مع القوميين الإثنيين في النظام البرلماني. ولن يكون عليهم الاختيار بين خيارين اثنين فقط لا ثالث لهما. وقد يكون هذا كافياً للإبقاء على أي تحالف حزبي يضم القوميين الإثنيين من تولي زمام السلطة.