((الواقع الجديد)) الاثنين 22 يناير 2018م
د. عبدالله الردادي
سنة كاملة من التصريحات النارية، من التغريدات المثيرة، الصدامات، الوعود، الكثير من العجرفة… هذه التصرفات لم تصدر من رئيس نادٍ رياضي، أو ممثل مشهور، أو حتى سياسي ذائع الصيت، بل ممن يجلس على أهم كرسي في العالم، ومن تحت يده «زر» يستطيع بالضغط عليه تدمير نصف العالم.
أكمل دونالد ترمب سنة على كرسي الرئاسة الأميركية، روقب خلالها بشكل مكثف، عاداته الشخصية، تصريحاته السياسية والاقتصادية، تعامله مع من عاداهم خلال حملته الانتخابية، هذه العداوة التي أكسبته الكثير من الشعبية بين المناصرين للحملة الشعوبية التي اكتسحت العالم خلال السنوات القليلة الماضية. وعد ترمب خلال حملته الانتخابية بجعل الولايات المتحدة «عظيمة مرة أخرى». أراد ترمب بهذه الحملة إعادة أميركا لما رآه مناسبا لمكانتها، سواء كانت المكانة السياسية أو الاقتصادية. وكما هو الحال مع سواد الساسة، فقد أتى اللعب على وتر الأرزاق ورغد العيش بثماره، وأضحى ترمب رئيسا للولايات المتحدة، بعد أن كان موضعا للتندر في الأفلام والمسلسلات الأميركية. فكيف غدا الاقتصاد الأميركي بعد سنة من جلوسه خلف المكتب البيضاوي؟
بعيدا عن جعجعة ترمب، فإن أرقام الاقتصاد الأميركي تحسنت بشكل ملحوظ خلال هذا العام، فقد بلغ مستوى النمو في الولايات المتحدة 2.3 في المائة، ووصلت نسبة البطالة إلى أدنى مستوياتها في 17 عاما، هي اليوم 4.1 في المائة بعد أن كانت 10 في المائة في عام 2009. وشهدت سوق الأسهم الأميركية ارتفاعا ملحوظا خلال هذا العام، كما بلغ عدد الوظائف التي وُفرت للشعب الأميركي ما يقارب مليوني وظيفة.
مؤيدو ترمب يرون في هذه الأرقام انتصارا باهرا لسياسته الاقتصادية، إلا أن السؤال المطروح في وسائل الإعلام العالمية، هل كان هذا الطحين نتاجا لجعجعة ترمب؟ كم تبلغ مساهمته في هذا التحسن الاقتصادي؟ وهل هو ناتج فعلي لهذه المساهمة؟ أم هي نتائج عمل الإدارة الأميركية السابقة؟
من الصعب الجزم بهذا الأمر، إلا أن بعض الأرقام لا تمثل نجاحا فعليا لإدارة ترمب، فعدد الوظائف التي توفرت في عام 2017 هي الأقل في آخر 6 سنوات، وقد بلغ عدد الوظائف التي وفرت في سنة من سنوات الرئيس السابق باراك أوباما أكثر من ثلاثة ملايين وظيفة، ومعدل البطالة كان في انخفاض مستمر وثابت منذ عام 2009 حتى الآن، والرقم الذي وصل إليه مستوى البطالة منطقي جدا مقارنة بمعدل الانخفاض بآخر سبع سنوات. ولذلك فإن كلا الحزبين الجمهوري والديمقراطي يدّعِي وصلاً بليلى، ناسبين تلكم الأرقام والنجاحات لأنفسهم، ولكن الجزم بمن له الفضل بذلك ليس بهذه السهولة.
وفي استطلاع للشعب الأميركي، 32 في المائة فقط ممن يرون أن الاقتصاد الأميركي في تحسن ينسبون هذا التطور لإدارة ترمب، بينما يرى 39 في المائة منهم أن لترمب مساهمة جزئية، ويرى 27 في المائة أن ترمب لا يد له فيما حدث من تحسن، إنما خدمه الحظ في تحسن الحالة الاقتصادية للعالم بشكل عام.
لهذه الأرقام الضعيفة ما يبررها، فالرئيس الأميركي الحالي حصل على أقل نسبة رضى بين عموم الشعب الأميركي لآخر 6 رؤساء. وبلغت نسبة الرضى ما يقارب 37 في المائة فقط، وهي أقل من نصف النسبة التي حصل عليها بوش الابن. لكن المتوقع أن تزيد هذه النسبة بشكل كبير في حال تمت الموافقة على خطة ترمب لتخفيض الضرائب على الشركات في أميركا، والتصور السائد أن الكثير من الشركات الأميركية (بما فيها شركة أبل) ستعيد جزءًا من استثماراتها للأراضي الأميركية في حال فرض هذا النظام، هذه الهجرة العكسية للشركات ستضيف فرص عملٍ جديدة للأميركيين، مما سيتسبب في زيادة شعبية الرئيس الأميركي.
وباستثناء النظام الضريبي الجديد (إن تم)، فإن ترمب لم يضف بصمته على الاقتصاد الأميركي بعد، واتسمت سياسته بالكثير من التأجيل للقرارات، ولعل القضية الصينية أقرب مثال، فبعد الكثير من التهديدات إبان حملته الانتخابية، بدأ ترمب فترته الرئاسية باتفاق لإعادة تقييم العلاقات، وعاد مرة أخرى ليهدد الصين بفرض رسوم على بضائعها إن لم تتوقف عن إغراق السوق بالحديد منخفض الثمن، إلا أنه لم يتمكن من فرض أي رسوم بسبب الاعتماد الأميركي على هذا الحديد، خاصة في المهمات العسكرية. إلا أنه الآن على المحك، فعلى مكتبه تقرير يصف حال الولايات المتحدة تجاه سياسة الحديد الصيني، ويجب عليه أن يتخذ قرارا بهذا الخصوص خلال 90 يوما، والواضح أنه لن يتمكن من «تمييع» هذه القضية أكثر من ذلك، وقراره في قضية التبادل التجاري، والعجز الحاصل بين الولايات المتحدة والصين قد يكون مؤشرا واضحا لمدى مساهمته في التحسن الاقتصادي للولايات المتحدة الأميركية.