((الواقع الجديد)) الاربعاء 27 ديسمبر 2017
محمد رضا
استقللت التاكسي من مطار لوس أنجليس إلى موقع المكتب الذي أستأجر عادة سيارتي منه. السائق وصل قبل شهر ونصف من أوكرانيا، منضماً إلى ألوف الأوكرانيين الذين سبقوه إلى المدينة ليعملوا سائقي تاكسي خلال السنوات العشرين الأخيرة.
سألني من أين أتيت. قلت لندن. ثم سألته عن الحرائق الهائلة التي تحدثت عنها الوكالات وشوهدت على الشاشات الإخبارية، فقال جاداً: «مستر. هذه أخبار ملفقة» مستخدماً كلمتي «Fake News» التي يستخدمها أكثر من سواه هذه الأيام، الرئيس دونالد ترمب.
قلت محتجاً إن الحرائق كانت على المشارف الشمالية للمدينة، وإن عدداً من الممثلين تضررت منازلهم. فكرر: «Fake News». حينها سألته: «ما الحقيقة إذن؟» فقال: «نعم كانت هناك حرائق كبيرة، لكنها لم تكن كبيرة جداً».
فكرت في أن معرفة الفارق بين «الكبير» و«الكبير جداً» أمر يقرّره رجال ونساء الإطفاء الذين يقومون بأعمال بطولية غالباً مستترة. ثم عدت إلى استخدام السائق ذي اللغة الإنجليزية المكسّرة عبارة «أخبار ملفقة»، متسائلاً عما إذا كان يمرّن لغته الجديدة بالاستماع إلى الرئيس الأميركي ترمب.
كانت المسافة من المطار إلى مكتب الشركة قريبة فارتحت من هوسه بالنفي لما اتفق عليه العالم، ثم أخذت سيارتي وقدتها باتجاه قلب المدينة. أدرت الراديو لسماع بعض الموسيقى ليقطع الإرسال موجز النشرة وورد فيه خبر يصف فيه ترمب محطة «CNN» من جديد، بأنّها محطة أخبار ملفقة.
في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، قبل وصوله إلى المكتب الرئاسي، استخدم ترمب كلمتي «Fake News» على «تويتر»، تعليقاً على ما أوردته مجلة «فارايتي» السينمائية الأميركية، من أنّه سيتولى منصب المنتج المنفذ لمشروع سينمائي سياسي. ومجلة «ذا نيويوركر» ذكرت أنه منذ ذلك الشهر استخدم الرئيس الأميركي التغريدات مئات المرات، من بينها نحو 150 مرة واصفاً فيها الأخبار التي لم تعجبه أو توافقه بالمزيفة.
في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، قال ترمب في مقابلة تلفزيونية مع التبشيري مايك هكابي (على شاشة المحطة المتخصصة بالتبشير الديني «TBN»)، إنّه هو من ابتدع العبارة. أتبع ذلك بضحكة تعكس سعادته بها. لكنّ المتربصين به من الإعلاميين بادروا للقول إن العبارة ذاتها موجودة في قاموس السياسيين الأميركيين لوصف ما لا يناسبهم من أخبار الصحافة منذ مائة سنة.
ولوحظ أنه يستخدم العبارة تجاه أي خبر لا يرضيه، وهذا مفهوم، لكنه إذا ما ووجه بدليل قاطع على صحة ما قيل، فإنه ينبري في اليوم التالي، وعبر إحدى تغريداته، لنفي ما ذهب إليه. حسب موقع «Politifact» استخدم ترمب «تويتر» 329 مرة لينفي فيه ما قاله وثبت عدم صحته، وذلك قبل وبعد أن أصبح رئيساً وحتى الأسبوع الماضي.
فيلم ستيفن سبيلبرغ الجديد «ذا بوست»، يدور حول الصحافة والرئاسة، لكن أحداثه تقع في مطلع السبعينات عندما كانت الوسيلة الوحيدة لنفي خبر إعلامي لا يرضي الرئيس، إعلاناً رسمياً صادراً عن البيت الأبيض، أو – على الأقل – إشارة ترد في خطاب الرئيس في إحدى المناسبات.
في عالمنا اليوم، حيث كل منا يقرأ التاريخ منفرداً، وحيث الحقيقة لها أوجه لا تحصى، لم يبقَ سوى أن نتابع أخباراً عن الرئيس ونفياً من الرئيس، في لعبة «بينغ بونغ» تحتاج إلى لجنة تحكيم برئيس… رئيس غير منحاز طبعاً.