((الواقع الجديد)) الخميس 21 ديسمبر 2017 / متابعات
سليمان جودة
يبدو منظر نيكي هيلي، مندوبة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، وهي تعقد مؤتمراً صحافياً، الخميس الماضي، للوهلة الأولى، قريب الشبه في جانب منه، بمنظر كنا قد تابعناه في حينه، لكولن باول، وزير الخارجية الأميركي في أيام بوش الابن! ولكن مهلاً!
كانت هيلي تعقد مؤتمرها الصحافي، في قاعدة أناكوسيتا العسكرية في واشنطن، بينما تظهر في خلفية الصورة وراءها، بقايا صاروخ كانت جماعة الحوثي قد أطلقته على الرياض في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي!
وكانت المندوبة الأميركية تشير إلى بقايا الصاروخ الضخم، وتقول إن البيانات التي يحملها تقول إنه صناعة إيرانية، وإن طهران أرسلته إلى الحوثيين في اليمن، ومن هناك تولوا هُم إطلاقه على الجارة السعودية، دون أن يكون لهذه الدولة الجارة ذنب، سوى أنها تريد اليمن لليمنيين كلهم، بمن فيهم الحوثيون أنفسهم، بدلاً من أن يكون لجماعة حوثية لا يوجد ما يدل على أنها تملك أغلبية في البلد، تؤهلها لأن تهيمن وتسيطر.
وفي زمنه، كان كولن باول، قد وقف موقفاً مشابهاً، عندما عرض في الأمم المتحدة على العالم، أشياء تدل – من وجهة نظر إدارة بلاده الحاكمة وقتها – على أن صدام حسين يملك أسلحة دمار شامل، أو أنه في سبيله إلى أن يملكها فعلاً، وأنه يهدد أمن جيرانه، وأمن المنطقة بها!
وبالطبع، تبين فيما بعد، أن دلائل باول كانت «فالصو»، وأن صدام لم يمتلك شيئاً مما قيل إنه يملكه، وأن ما عرضه وزير خارجية بوش الابن أمام العالم، كان الغرض منه ضرب العراق، وهدم أركانه، وتقويض دعائمه… لا ضرب صدام! لكن بعد أن كان العراق كله قد دفع الثمن، ولا يزال يدفعه!
وبالطبع أيضاً، فإن هناك فرقاً – لا شك – بين دليل راح باول يقدمه في حينه، ويحاول إقناعنا به، وبحقيقته، وبجديته، دون جدوى، وبين دليل تقدمه هذه الأيام، السيدة هيلي، ونراه هذه المرة ممدداً خلفها، بينما هي تشرح، وتبيّن، وتزيد في الشرح وفي البيان!… ومن الهراء أن يصف محمد جواد ظريف، وزير الخارجية الإيراني، كلام هيلي بأنه ادعاءات فارغة، وأن يطلب أمير حاتمي، وزير الدفاع، عيّنة من البقايا، لإخضاعها لتحقيق؛ ولذلك، فالمتوقع أن تذهب بقايا الصاروخ أمام لجنة تحقيق دولية تضع إيران أمام مسؤوليتها!
وحين يصل الأمر إلى حد أن يجري إطلاق صاروخ إيراني، على عاصمة عربية، فالمسألة لا يجوز السكوت عنها عربياً بالإجمال، وليس سعودياً فقط.. صحيح أن الحوثي أطلق هو الصاروخ، وليس طهران بشكل مباشر، وصحيح أن الحوثي في النهاية يمني، وصحيح كذلك أنه أطلقه من فوق أرض يمنية، غير أن وجود بيانات إيرانية على الصاروخ، ينسف كل أساس يمني للعملية كلها، وينقلها كلها من صنعاء إلى طهران، ويجعل اليد التي أطلقت إيرانية، لا يمنية في المعيار الأخير!
ثم حين يسقط رئيس عربي، هو علي عبد الله صالح، برصاصات يمنية الشكل، إيرانية المضمون، كحال الصاروخ تماماً، فإننا نجد أنفسنا أمام أناس يحكمون في إيران، بفكر الثورة، لا منطق الدولة، ولو حكموا بمنطق الثانية، ما نشأت أزمة، ولا نشبت عداوة بينهم وبين أي جارة عربية!
ولا بد أن إيران مدعوة من قِبل هيلي، وغير هيلي، إلى أن تتجاوز مرحلة الثورة، التي من المفترض أنها غادرتها من زمان، إلى مرحلة الدولة التي تتعامل مع جيرانها بمسؤولية!
وقد بدا في أثناء مؤتمرها الصحافي، أن المندوبة الأميركية كانت توجه مثل هذه الدعوة إلى الحكومة الإيرانية، ثم كانت تحث المجتمع الدولي على أن يمارس مسؤولياته، إزاء عربدات الملالي في المنطقة من حولهم.. فلا توجد ميليشيا عسكرية في هذه المنطقة من العالم، إلا وتحمل بصمات أصابع إيران!
ولا يعيب هذه الدعوة من السيدة هيلي إلى المجتمع الدولي، إلا أنها موجهة إلى كيان معنوي لا يمكن أن نخاطبه بصورة مباشرة، ولا أن نُعوّل منه بالتالي على نتيجة فاعلة!… فالمجتمع الدولي في الحصيلة الأخيرة، هو مجموع دول العالم، وبالتالي أيضاً، فإن كل دولة منها ستتصور عند سماع الدعوة من صاحبتها التي أطلقتها، أنها كدولة ليست المعنية بها، وأن دولة أخرى غيرها هي المعنية، وهكذا تتفرق دماء الدعوة في الآخر بين شتى الدول، وتبقى ممارسات إيران على ما هي عليه، وقد تزيد وتتمدد!
وإذا كانت الولايات المتحدة تريد لمشهد بقايا الصاروخ خلف مندوبتها، صدى حقيقياً في العالم، فلا بد أن تتعامل بجدية أكثر، أولاً، مع السلوك الإيراني في محيطه، وأن تكون عادلة، ثانياً، في تعاطيها مع قضايا منطقتنا كلها؛ فإضافة إلى هذه الوقفة القوية ضد سلوك الملالي تجاه الجيران… وإنْ كانت لا تزال في حقيقة الأمر وقفة نظرية في مجملها… عليها ألا تميل إلى إسرائيل كل الميل في قضية فلسطين!
ليس في هذا عدل، ولا فيه إنصاف، والمصداقية التي أرساها الآباء المؤسسون للولايات المتحدة، منذ أكثر من مائتي عام، لا يجوز أن تأتي إدارة، مثل إدارة بوش الابن، التي زيفت دلائلها، لتدمر الدولة العراقية، لا أقل، فتنال بسياستها من مصداقية بلد بكامله في العالم.
العبث الإيراني، لا يمكن التغاضي عنه، ولا الصمت إزاءه، ولا التهاون فيه… هذا موقف لا خلاف عليه.
قيادة العالم تتأسس على العدل، قبل أن تكتسبها الدولة القائدة بالقوة؛ لأن القوة تؤسس لوضعية إلى زوال، غير أن العدل يُرسي ملامح وضع إلى دوام!