الأحد , 28 أبريل 2024
leonid-bershidsky

وسطاء السلطة يتبارزون وبوتين في مقاعد المشاهدين

((الواقع الجديد)) الاربعاء 20 ديسمبر 2017 

ليونيد بيرشيدسكي

انتهت المحاكمة التي حددت مسار المدة الرئاسية القادمة للرئيس بوتين في موسكو الجمعة الماضية. فقد أدين وزير الاقتصاد السابق، أليكسي أليوكاييف، بقبول مليوني دولار أميركي على سبيل الرشوة من إيغور ساشين، المدير التنفيذي لشركة «روزنيفت» النفطية الكبرى المملوكة للدولة. في حقيقة الأمر، كان النزاع بين مسؤولين كبيرين نزاعاً من ذلك الذي يقوم فيه بوتين بالتحكيم بهدوء؛ بيد أنه اختار ألا يفعل هذه المرة.
فقد ألقي القبض على الوزير أليوكاييف في نوفمبر (تشرين الثاني) 2016 من قبل الاستخبارات الروسية «إف إس بي» لشؤون مكافحة التجسس، في عملية مباغتة دبرها ساشين، مدير شركة النفط المذكورة. فقد دعا مدير الشركة الوزير لمكتبه، وتحدث معه ثم سلمه حقيبة، وعندما ألقت الاستخبارات الروسية القبض على الوزير اتضح أن الحقيبة مليئة بالمال. زعم ساشين أن المبلغ كان رشوة طلبها أليوكاييف مقابل إعطائه الضوء الأخضر «لتخصيص» شركة «بشنيفت» النفطية المملوكة للدولة، وضمها إلى شركة «روزنيفت». وكان أليوكاييف قد عارض الصفقة، وقال إن ابتلاع شركة تابعة للدولة لشركة أخرى لا يعد عملية تخصيص حقيقية؛ لكنه أذعن في نهاية المطاف.
وزعم أليوكاييف أن تلك العملية قد دبرت له، وأن قبول رشوة من ساشين كان أمراً لا يمكن التفكير فيه؛ نظراً لقربه من الرئيس بوتين، ولأهمية شركة «روزنيفت»؛ كونها ذراعاً للدولة. وأبلغ الوزير المحكمة بأنه كان يتوقع أن الحقيبة تحوي زجاجات نبيذ، أو ربما بعض النقانق التي اعتاد مدير شركة «روزنيفت» تقديمها لمعارفه.
القصة نفسها كانت غير عادية، حيث أوضحت أن وزيراً في الحكومة اعتاد الابتزاز عن طريق طلب الرشاوى بصورة روتينية، أو أنه اعتاد قبول الهدايا لتسهيل عمل ومصالح الشركات. كذلك كان من شأن تلك القضية أن ساهمت في استعراض ساشين لقدراته في الإطاحة بكبار المسؤولين أرضاً. فقد كان أليوكاييف تكنوقراطياً يحظى باحترام كبير؛ نظراً لموقعه في قمة الهرم الحكومي، ولأنه كان يدير من خلال موقعه اقتصاد البلاد الكبير.
جاءت المحاكمة التي جرت لاحقاً في غاية الإثارة، فقد توقع الناس أن تمنع وسائل الإعلام والناس من الحضور؛ نظراً لحساسية طرفيها وشبكة العلاقات التي تربطهما بدوائر صناعة القرار في قمة هرم السلطة؛ لكن الغريب أن المحكمة سمحت بحضور عامة الناس، وجرت قراءة نص المحادثات التي جرت بين أليوكاييف وساشين في المحكمة. وجعل ذلك الأمر الصحافة الروسية تتعجب من الطريقة التي جرى بها الكشف عن محادثات كاملة بتلك الأهمية، ومن دون اختزال، رغم كل ما بها من لغة اصطلاحية، والتي كانت جميعها تسيء إلى ساشين. وقد وصف ساشين قرار المدعي تلاوة نص المحادثات علانية بـ«قمة الانحطاط».
وللتمعن في إذلال ساشين، الذي بدا رابط الجأش في البداية وأكد على أن ما يحدث ليس سوى جانب من مسرحية الهدف منها إسقاطه، استمرت المحكمة في سؤال ساشين للإدلاء بأقواله؛ لكن ساشين استمر في المراوغة إلى أن يأس القاضي. في الحقيقة، لقد ساهم ذلك في بث كثير من الأمل لدى أنصار أليوكاييف من الليبراليين في أن انتصار ساشين ليس مؤكداً. وطالب المدعي بعقاب أليوكاييف بالسجن عشر سنوات في سجن شديد الحراسة. وفي كلمته الأخيرة التي نشرتها وكالات الأنباء كاملة، أصر أليوكاييف على أنه قد أوقع به؛ لكنه اعترف بخطأ غير متوقع ندم عليه، وهو دوره كموظف كبير في نظام بوتين، حيث قال: «لقد أخطأت بوضع نفسي في موضع الشبهات، وباختياري للطريق السهل، وبتفضيلي للمنصب ولكياني على حساب الدفاع عن المبادئ. كنت أدور في دوامة بيروقراطية، وتسلمت الهدايا وقدمت الهدايا أيضاً، وحاولت أن أكوّن شبكة علاقات زائفة. فقط عندما تقع في ورطة كهذه تبدأ في الإحساس بما يعانيه الناس وبالظلم الذي يتعرضون له».
وفي نهاية المحاكمة، كسب ساشين الدعوى، وحكم على أليوكاييف بالسجن ثماني سنوات، مع إمكانية إطلاق سراحه بعد أقل من خمس سنوات؛ لكن ساشين لم يكسب الدعوى بفضل تدخل بوتين، وإلا لما كان هناك تلاوة علنية وصراحة مطلقة بتلك الصورة، وما كنا رأينا نص محادثات ساشين يتلى أمام الناس، وما كانت المحكمة استدعته مراراً وتكراراً.
وفي المؤتمر الصحافي السنوي الذي عقد الخميس، ولدى سؤال بوتين عن سلوك ساشين خلال المحاكمة، رد بوتين بلا مبالاة قائلاً: «إن مدير شركة (روزنيفت) لم يخالف القوانين بعدم حضوره لكثير من جلسات المحاكمة؛ لكن كان يمكنه الحضور ليعيد ما قاله للمحققين». قرار بوتين بعدم التدخل كان واضحاً خلال سير المحاكمة. فقد فاز ساشين كممثل مستقل في معركة وقف فيها أمام دوائر التكنوقراطيين التي تدير الحكومة، وهو ما لاحظه المراقبون في الكرملين.
لا يزال الغرب يرى روسيا بوصفها الدولة التي يصدر فيها بوتين جميع القرارات؛ لكن بوتين يبدو واثقاً بأن النظام الذي بناه، به من الضوابط الداخلية والتوازنات ما يجعله يعمل بمصداقية في صالحه، بصرف النظر عن أي جماعة موالية له، أو أي شخص سيفوز في نزاع معين، أو من سيتعهد بتنفيذ سياسة مشروع معين.
كتبت تاتانيا ستانوفيا، في بحث قدمته لمعهد «كارينجي أندومنت» أن النظام الشمولي المركزي الذي بناه بوتين في العقد الأول من الألفية الثالثة قد تآكل، بفضل الرغبة المتزايدة لدى القادة في تفويض القرارات لمشاهدة أعضاء الصفوة يتعاركون فيما بينهم عند تنفيذها. فعند غياب بوتين يمكن لأي شخص أن يصبح بوتين. والمقصود هنا أن ساشين لم يخجل من الدفع تجاه بيع شركة «بشنيفت» من دون طلب مساعدة من الرئيس بوتين، ونجح في تنفيذ استعراض معاقبة الوزير على خلافه في الرأي.
* بالاتفاق مع «بلومبيرغ»

 

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.