((الواقع الجديد)) الثلاثاء 19 ديسمبر 2017
اميل امين
أحد أهم الأسئلة التي طرحت على صعيد العالم العربي الأسبوعين الماضيين بعد قرار الرئيس الأميركي دونالد ترمب إعلان القدس عاصمة لإسرائيل ونيته نقل سفارة بلاده من تل أبيب إلى القدس: هل سيجري استقبال نائبه مايك بنس في زيارته التي كانت محددة مسبقاً أم لا؟
نحن أمام وجهتي نظر؛ الأولى ترى أن أقل ما يمكن فعله هو غلق الأبواب أمام بنس، وهو رأي يتفهمه المرء في ضوء العاطفة المشبوبة بالمعاني السامية والمقدسة لما تمثله «زهرة المدائن» في القلوب والعقول.
فيما صوت آخر ينظر إلى زيارة الضيف القادم نظرة عقلانية وبرأس بارد تنطلق بداية من فهم دور نائب الرئيس بصفة عامة في الحياة السياسية الأميركية، وتأمل شخصية مايك بنس ملياً بنوع خاص.
خلق موقع نائب الرئيس لسببين؛ الأول أنه يخلف الرئيس في حالة خلو المنصب، والثاني أن يرأس مجلس الشيوخ، مدلياً عند الضرورة بصوته المرجح متى تساوى عدد المؤيدين وعدد المعارضين عند التصويت على قرار ما.
تاريخياً كان هناك عدد من نواب الرئيس الأميركي الذين أضحوا علامات في سماء البيت الأبيض لاحقاً، منهم ريتشارد نيكسون وجورج بوش الأب، وحتى من لم يبلغ منهم موقع الرئاسة مثل آل غور الذي تحسر عليه توماس فريدمان عبر الـ«نيويورك تايمز» بالقول: «الرجل الذي فقدناه».
وبالنظر إلى مايك بنس نرى أننا أمام نائب رئيس حظوظه كبيرة جداً في الوصول إلى مقعد الرئاسة حال عزل ترمب أو استقال من جراء فضيحة «روسيا – غيت»، أو إذا رشح نفسه للرئاسة للولاية المقبلة أو ما بعدها.
أميركياً يشبهون شخصية مايك بنس بالرئيس الأميركي المغدور جون كيندي؛ فكلاهما آيرلندي الأصل والجذور، كاثوليكي المذهب، لهما دالة كبيرة على العمل السياسي.
لم يكن اختيار ترمب لبنس اختياراً عشوائياً، فترمب رجل العقارات والصفقات منبت الصلة بعالم السياسة، يميل إلى البهرجة واللهو، في حين نائبه مدقق النظر يقيس كل شيء بدقة، وخبرته السابقة كحاكم لولاية إنديانا، وتحصيله العلمي في مجال القانون، حيث حاز درجة دكتوراه، جميعها رشحته لأن يكون الشخص الذي يُصلح ما يفسده ترمب من خطوات قد يخطوها، واعتبره ترمب ولا يزال الملجأ الآمن له.
أيهما أفضل لنا كعرب وللقضية الفلسطينية كمحور جوهري يجمع العروبيين بمسلميهم ومسيحييهم، أن نلتقي الرجل ونبسط أمامه ومعه حقائق التاريخ والطبائع الجغرافية للمدينة المقدسة، أم نوصد الأبواب في وجهه بدماغ ساخنة غير قادرة على التمييز؟
المقطوع به أن كل باب مغلق في وجه مايك بنس من قِبل العالم العربي والإسلامي، حتماً سيجد في مقابله ألف باب إسرائيلي ويهودي يفتح له، مما يعني أن كل مربع يتركه أصحاب القضية الأصليون سيعد خسارة بالنسبة لهم ويملأ فراغه غيرهم من أصحاب الزيف.
لا نقرر موقفاً ضد المظاهرات والتي يدعو البعض لأن يواجه ويجابه بها مايك بنس في القدس، لكن السؤال ومنذ متى أنهت المظاهرات مظالم أو غيرت طبيعة الاحتلال؟ ثم – وهذا هو الأهم – هل اختار المتظاهرون المكان الخطأ؟
دون أي تشكيك في النيات نقرر وبتواضع أن معركتنا ليست على الأراضي الفلسطينية.. معركتنا هناك على الأراضي الأميركية، ومع إدارة ترمب، بل ومع صاحب القرار الذي قالت استطلاعات الرأي إن غالبية الأميركيين غير موافقين عليه ويرون أنه لا حاجة عاجلة لاتخاذه على هذا النحو الذي يثير مشاعر العرب والمسلمين، كما أن جلهم يؤيدون حل الدولتين وترك القدس للمفاوضات النهائية ليحدد الطرفان، الإسرائيلي والفلسطيني، موقعها وموضعها من دون استباق أميركي، يستلب من أميركا نفوذها الذي بدأ في التلاشي شرق أوسطياً.
معركة القدس لا بد لها وأن تجري في واشنطن ونيويورك، وقد أحسنت مصر كثيراً جداً بتقديم مشروع قرار لمجلس الأمن يشدد على أن أي قرارات تخص وضع القدس ليس لها أي أثر قانوني ويجب إلغاؤها على الفور، ولا يهم بعد ذلك إن كان الفيتو الأميركي، وكما هو متوقع، واقفاً خلف الباب مشتهياً إلغاء دعم العرب وبقية العالم لعدالة القضية، إذ يكفي فضح الزيف والنفاق عند إدارة ترمب، وسفيرته نيكي هيلي الملكية أكثر من الملك.
دعونا نلتقي بنس في عواصمنا العربية، ونلتقي الأميركيين على أراضيهم ونحدثهم عن عدالة القضية الفلسطينية، ووضع القدس بالنسبة لنا، عبر حديث النخبة العقلانية، أي برجاحة العقل، ورحابة الخطاب، وقوة الحجة.
دعونا نخبر مايك بنس أن القدس ليست قضيتنا فقط بسبب المسجد الأقصى أو كنيسة القيامة، بل هي قضيتنا بسبب إنسانها الفلسطيني المظلوم مسلماً كان أو مسيحياً أو حتى يهودياً، فالسكوت عن الظلم أذية لليهود أيضاً… إنها قضيتنا بسبب مواطنيها المتألمين والمكلومين دوماً طوال تاريخها.
أغلب الظن أن خطاباً يقدم لبنس في عالمنا العربي يهدف إلى تبيان حققه النضال من أجل العدالة والحرية ودون رغبة في الانتقام من اليهود أو إظهار حقد جهتهم أفضل ألف مرة من فلسفة الأبواب المغلقة.