((الواقع الجديد)) الاثنين 18 ديسمبر 2017 / متابعات
طارق الشناوي
ماذا بعد ثورة الغضب شعبياً ورسمياً، فلقد شاهدنا بيانات من النقابات المهنية، والفنية واتحاد الفنانين العرب، واجتماعات تصاعدت إلى أعلى مستوى تحت مظلة جامعة الدول العربية، رد فعل متوقع طبعاً، ولم نكتف بهذا القدر، هناك قرارات بالمقاطعة تبنتها نقابة السينمائيين في مصر، تقضي بعدم التعامل مع الفيلم أو الفنان الأميركي، وأكد القرار أيضاً اتحاد الفنانين العرب، وهو اتحاد عرفناه قبل نحو 35 عاماً، إلا أنه صار أشبه بخيال المآتة، كان نائماً طوال السنوات الماضية، وفجأة استيقظ من سباته العميق، وأصدر قراراً بمقاطعة كل الفنون الأميركية، ثم تثاءب وعاد لاستكمال أحلامه السعيدة.
ماذا بعد ذلك؟ لا شيء سوى أننا تبادلنا شريط «شعبولا»، اهل شعرنا بالهدوء بعد تفريغ شحنة الغضب، مع الأسف هذا هو ما حدث، أدينا الواجب وزيادة شوية، بينما إسرائيل تكسب بُنطاً، وهي تضع أمامها هدفاً واحداً، بأن تواصل إقناع العالم بأنها صاحبة الحق، وهكذا تسعى لتقليص حقوقنا المشروعة.
هبطنا بسقف أحلامنا من عودة كامل أراضي فلسطين إلى فقط استرداد مدينة القدس، أصبح الحد الأقصى، هو تقسيمها، نصفها عاصمة لإسرائيل، ونصفها عاصمة لفلسطين، بعد أن كنا نقول في الماضي، لا بديل عن القدس الموحدة عاصمة لدولة فلسطين.
هبوط سقف الحق العربي هو هدف إسرائيل، بداية من قرار التقسيم، الذي رفضناه في 48، ثم أصبحنا نطالب بحقوقنا قبل 67، وفي كل مرة تكسب إسرائيل بنطاً وتسحب مساحة من الأرض، مستخدمة كل أسلحتها وعلى رأسها الفنية.
هل تتذكرون ما حدث في مهرجان «كان» الذي أقيم منتصف مايو (أيار) الماضي؟ ارتدت وزيرة الثقافة الإسرائيلية فستاناً عليه شعار القدس عاصمة أبدية لإسرائيل، الفستان مرسوم عليه كل معالم المدينة، حائط المبكى ومسجد قبة الصخرة، وكنيسة القيامة، الموضة والأزياء والموسيقى تلعب دورها، بينما منظمة «اليونيسكو» العالمية، اعتبرت القدس مدينة محتلة، هل فعلنا شيئاً، أو حتى روجنا لقرار «اليونيسكو»؟ أبداً، وكأن شيئاً لم يكن.
لو طبقنا قرار النقابات الفنية العربية، واتفقنا على مقاطعة الفيلم والنجوم الأميركيين، ما الذي سنستفيده، ثم ما هو ذنب الفنان الأميركي، الذي يدعم قضيتنا؟ السينما الأميركية، لا تنفذ سياسة ترمب، أتحدث عن الأغلبية طبعاً، تقف على الجانب الآخر تماماً، ترمب هو أكثر رئيس أميركي في النصف قرن الأخير، تصدت له هوليوود وبكل عنف وسخرية.
كما أن لنا تجربة في مقاطعة الفيلم الأميركي، والذي أصدرته مصر في أعقاب هزيمة 67، لم يستمر القرار أكثر من بضعة أسابيع، رغم أننا قبل نحو 50 عاماً، كان من الممكن إحكام قبضة المقاطعة، فلا فضائيات ولا «نت»، ولا «سي دي» ولا حتى «فيديو». الدولة كانت تملك في الماضي كل الخيوط، بينما الآن كيف نتصور حدوث ذلك فعلياً، والأفلام من الممكن العثور عليها في لحظات وبالمجان.
علينا كعرب أن نغير دفة المواجهة، ونشهر سلاحنا الثقافي، وذلك بأن نقدم فيلماً وأغنية ومسرحية ولوحة تشكيلية تصل للعالم كله، وتقول إن القدس عربية، وإن قضيتنا عادلة، وإننا نمد لهم غصن الزيتون، بينما يطلقون هم علينا النيران، أما الأغنية عن ترمب فهي طلقة «فشنك»، أحدثت «دوشة» على أرضنا، ولكن لن يسمعها أحد خارج حدودنا.