((الواقع الجديد)) الجمعة 7 يوليو 2017 / متابعات
تنشر الصحف والمواقع الإلكترونية اليمنية ورواد الشبكات الاجتماعية صوراً مفزعة لحالات الغش في الامتحانات العامة، وأساليب تطورها، وهو ما أصاب المجتمع اليمني بحالة من الذهول والحسرة للحال الذي وصل إليه التعليم في اليمن.
ومع ما أعلنته وزارة التربية والتعليم على موقعها الإلكتروني من رؤية استراتيجية للتعليم الثانوي تتسم بالعدالة والمساواة في توفير الفرص التعليمية والجودة في النوعية- فإن ما يجري داخل لجان الامتحان يتنافى مع هذه الرؤية؛ فلا عدالة ولا مساواة في وجود ظاهرة الغش في الامتحانات، حسبما ترى شبكة “زدني” للتعليم.
وتدور التساؤلات حول دور وزارة التربية والتعليم والمؤسسات الأمنية والمجتمعية في منع هذه الظاهرة، في حين أن قيادة الوزارة تحمّل المجتمع السلوكيات الخاطئة للطلاب في أثناء الامتحانات، وتشكو من ضعف تعاون الجهات الأمنية والمجتمع في الحد من هذه الظاهرة، وتنتهي فترة الامتحانات بتبادل الاتهامات بين جميع الأطراف المعنية.
وبعدها، تُعلن النتائج بنسبة نجاح عالية وكأن شيئاً لم يكن! ومع أن ظاهرة الغش تعد ظاهرة عالمية في كثير من البلدان، فإن الأنظمة التعليمية تتخذ إجراءات حازمة نحوها؛ لما لها من خطورة وانعكاسات سلبية على التعليم والمجتمع بشكل عام.
تؤكد شبكة “زدني” تنوع أشكال ومظاهر الغش في الامتحانات العامة باليمن؛ بين اقتحام مراكز الامتحانات بقوة السلاح، وتسريب نماذج الامتحانات، والاعتداءات على رؤساء اللجان والمراقبين، وإطلاق النار على المعلمين بسبب رفضهم السماح بالغش، ونشوب فوضى ومشاغبة وتسلُّق لجدران المراكز الامتحانية.
وتجمهر أولياء الأمور على بوابات ونوافذ اللجان؛ في محاولة لمساعدة أبنائهم، وانتحال شخصية آخرين، وتشارك الطلاب في الغش داخل اللجان، وتسهيل الغش من قِبل رؤساء وأعضاء اللجان الامتحانية مقابل مبالغ مالية، واستخدام الشبكات الاجتماعية، مثل فيسبوك وواتساب، في عمليات الغش بالامتحانات.
هذا، ويعتبر أصحاب محلات التصوير الورقي أن فترة الامتحانات تشكل بالنسبة لهم موسماً لجني الأرباح؛ لكونها تسهل عملية الغش للطلاب، من خلال تصوير المقررات الدراسية على قصاصات ورقية صغيرة لا يزيد حجم بعضها على 5 إلى 10 سنتمترات مربعة تسهل للطالب إدخالها إلى قاعة الامتحان واستخدامها في الغش.
وزارة التربية والتعليم تشارك في الغش!
كثير من دول العالم تعد التعليم قضية أمن قومي وقاسماً مشتركاً بين أفراد المجتمع تبنى من خلاله قواعد السلوك السليم والمواطنة المتساوية وقيم الصدق والالتزام والقدوة والعدالة والمساواة، والمتمعن في حال التعليم في اليمن يجد كثيراً من المتناقضات التي تسود السياسة التعليمية في البلاد.
إذ يؤكد الدكتور عبد الحكيم المخلافي، أستاذ علم النفس المساعد في جامعة عمران، أن هناك عوامل وأسباباً وأبعاداً كثيرة تساعد على عملية الغش في الامتحانات العامة؛ فتشترك كثير من الأطراف في المساعدة على عملية الغش؛ وتشمل الطالب والمعلم والإدارة المدرسية والمجتمع ووزارة التربية والتعليم.
وترى شبكة “زدني” للتعليم ضرورة إعطاء هذه الظاهرة مزيداً من التأمل والبحث عن أبعادها وأسباب نشوئها، خصوصاً ونحن على مشارف الامتحانات النهائية لهذا العام؛ لتدارك ما يمكن تداركه.
كما يجب على الأطراف المعنيّة بالتعليم القيام بعملية تقويم ومراجعة شاملة لمعرفة الأسباب الحقيقية لهذه الظاهرة ووضع الحلول السليمة لها، وهنا يمكن أن نتطرق إلى بعض الآراء التي تم استطلاعها من
لهذه الظاهرة ووضع الحلول السليمة لها، وهنا يمكن أن نتطرق إلى بعض الآراء التي تم استطلاعها من فئات مختلفة من المجتمع اليمني تعتقد أنها الأسباب الرئيسة لنشوء ظاهرة الغش في الامتحانات العامة باليمن:
بعض مديري المدارس أميون!
يرى عدد من الأكاديميين والمثقفين أن إدخال التعليم ضمن المحاصصة السياسية والحزبية في أثناء تشكيل الحكومات المتعاقبة باليمن- يعد أحد أسباب تدهور التعليم وانتشار ظاهرة الغش في الامتحانات.
وهنا، تبدأ المشكلة وتتعمق حيناً بعد آخر؛ لأنه يترتب على هذه المحاصصة إجراء تعيينات كارثية على مستوى قيادات الوزارة ومكاتب التربية والتعليم في المحافظات والمديريات وتشمل حتى القيادات المدرسية؛ فيتم وضع الشخصيات غير المناسبة وغير ذات الكفاءة في كثير من المواقع الإدارية والتربوية، وهذه التعيينات لا تتم وفق معايير تربوية؛ ومن ثم يرى المجتمع أن سلوكيات هذه القيادات تنحو منحى آخر نحو تحقيق المكاسب الشخصية والحزبية داخل المؤسسات التعليمية.
وتظهر كثير من المماحكات السياسية التي تؤثر على التعليم، ومنها ظاهرة الغش في الامتحانات، ومن الحقائق المريرة التي ترددها قيادة الوزارة نفسها أنه لا يزال هناك حتى الآن ما يقرب من 300 مدير مدرسة على مستوى الجمهورية أميون لا يجيدون القراءة والكتابة، تم تعيينهم بطرق لا تمت إلى معايير التربية والتعليم بصلة، وللمتابع أن يتخيل حجم الكارثة في هذه المدارس.
كما أن التعليم لا يمثل أولوية لدى قيادات الدولة وهي منشغلة بالصراعات السياسية؛ ومن ثم توجد رعاية لظاهرة الغش من قِبل بعض الأطراف التي تمتلك سلطات إدارية وأمنية وعسكرية وقبلية لصالح أبنائها دون رادع قانوني، وهذا مسوغ لبقية الطلاب لممارسة الغش أسوة بأبناء هذه القيادات.
وتتهم نقابات المعلمين في اليمن مسؤولين ونافذين في الدولة بتشجيع مرتكبي هذه المخالفات التي تؤدي إلى انتشار الاختلالات في الامتحانات المدرسية، وتخرجها من هدفها الأساسي إلى الحصول على معدلات غير حقيقية ولا تعبر عن مستوى التحصيل العلمي للطلاب.
وترى شبكة “زدني” أن تلك الاختلالات تؤكد حرص المسؤولين في السلطة على استفراد أبنائهم بالمنح الدراسية، أو الالتحاق ببعض التخصصات في الجامعات اليمنية بعد أن قامت الجامعات برفع المعدلات المطلوبة من خريجي المرحلة الثانوية للدخول في التخصصات العلمية.
إلى جانب اختبارات القبول التي تفرضها الجامعة في هذه التخصصات، مشيرةً إلى أن هذه الظروف تؤدي إلى الرغبة الجامحة لدى الكثير من الناس في حصول أبنائهم على معدلات دراسية مرتفعة لا تعكس الواقع أو المستوى التعليمي للطالب.
ضعف أداء وزارة التربية والتعليم
يوجه المجتمع انتقاداً واضحاً لوزارة التربية والتعليم حول أسباب بقاء كثير من رؤساء اللجان الذين ثبت تلاعبهم بالعملية الامتحانية وما يزالون يمارسون أعمالهم بصورة طبيعية في إدارة العملية الامتحانية عاماً بعد آخر.
وفي هذا السياق، توضح الأستاذة أم أسامة بادي، أن ظاهرة الغش أصبحت بمثابة الغول الذي سيقضي على مستقبل أغلب الطلاب اليمنيين، وأشارت إلى أنها تعرف كثيراً من الطلاب والطالبات المجتهدين، الذين بدأوا يعتمدون على الغش بعدما شعروا بالإحباط لانتشار الغش من حولهم، ولاحظوا عدم اكتراث المراقبين وتواطُؤَهم أحياناً في عملية الغش للطلبة.
وتتهم “بادي” وزارة التربية والتعليم بالتساهل مع عدد من رؤساء مراكز الامتحانات، التي ثبتت ممارسات غش فيها وتم نشر صورها على الشبكات الاجتماعية، ومع ذلك لا تقوم وزارة التربية والتعليم بواجبها بمعاقبة المسؤولين عنها، أو إلغاء امتحانات الطلاب الذين مارسوا الغش كما جرت العادة.
ويقول أحد طلاب المرحلة الثانوية في مدينة الحديدة، ويدعى أيمن سعيد، لوكالة الأناضول: “يسمح لنا المراقبون بأن نجيب عن الأسئلة بالمشاركة، ويجوز لنا الاستعانة بزملائنا، بينما يُدخل لنا الحراس إجابات الامتحانات من خارج القاعة، ويكون قد أجاب عليها أحد المعلمين، مقابل مبلغ يصل في بعض الأحيان إلى 500 ريال (نحو دولارين) إلا أننا لا نعتمد على الغش القادم من خارج القاعة بشكل كلي؛ إذ تكون الإجابات في بعض الأحيان خاطئة”.
ويُقر الطالب أيمن بأنه غير راضٍ عما يفعله وأنه أُجبر على ذلك أمام الكثير من الطلاب الذين لا يبذلون أي عناء في الدراسة طيلة أيام العام ويحصلون على نتائج عالية، مؤكداً أن عمليات الغش دمرت مستقبله العلمي، وجعلته يعتمد على زملائه الآخرين في هذا الأمر مهملين مذاكرتهم، مستطرداً في هذا الصدد: “ما الفائدة أن أتعب وأذاكر وأجتهد، وفي خلاصة الأمر أجد الحل أمامي، وأُصبح أنا والفاشل في القاعة بالمستوى نفسه”.
كما يوجد ضعف في الرقابة المركزية والمحلية في أثناء سير عملية الامتحانات واكتفاء المسؤولين على التعليم بزيارة عدد محدود من المدارس في مراكز المدن.
ومع أن وزارة التربية والتعليم قامت بعدد من الإجراءات التي تحد من ظاهرة الغش كإصدار البطاقات الإلكترونية التي تتضمن الصورة الشخصية للطالب للتحقق منها حين دخوله قاعة الامتحان، إلى جانب تعدد نماذج الامتحانات- فإن هذه الإجراءات لم تحد من مظاهر الغش التي تتطور باستمرار.
ويرى المجتمع أن وزارة التربية والتعليم تمارس نوعاً من التضليل عند إعلان نتائج الامتحانات العامة، فمع حالات الغش المنتشرة على مستوى الجمهورية يتوقع المجتمع من الوزارة اتخاذ إجراءات حازمة وإعلان نتائج حقيقية تكون منصفة للطالب المجتهد المتضرر من ظاهرة الغش وتكون أيضاً رادعة لمن يمارس الغش في الامتحانات؛ حتى يشعر المجتمع بالثقة نحو التعليم.
بينما ترى شبكة “زدني” أن ما يحصل هو إعلان الوزارة نتائج الامتحانات العامة بنسب نجاح عالية تشمل معظم المراكز الامتحانية التي مارست الغش بصورة علنية، ودون اتخاذ إجراءات عقابية ضد من يمارس الغش في الامتحانات.
فيما يرى المجتمع غياب القدوة من المعلم والإدارة المدرسية؛ بل وممارسة الفساد التعليمي في بعض المدارس من خلال بيع شهادات النقل للطلاب دون دخولهم الفصول الدراسية للدراسة أو لأداء الامتحانات، مع عدم محاسبة لهذه القيادات المدرسية.
انتشار الأسلحة والثقافة المغلوطة حول الامتحانات
لانتشار الأسلحة بشتى أنواعها وبكثافة في الآونة الأخيرة بين أفراد المجتمع اليمني، وضمنهم الطلاب، أثر كبير على عملية التعليم، وأحياناً تستخدم هذه الأسلحة بوصفها نوعاً من التهديد لممارسة الغش بالقوة، سواء من قِبل الطلاب أو مَن يساندهم بعملية الغش في أثناء الامتحانات.
وتؤكد شبكة “زدني” أن أموراً مؤسفة تحدث نتيجة استخدام هذه الأسلحة؛ فيتعرض بعض المراقبين في قاعات الامتحان للاعتداء بالسلاح الناري أو الأبيض، أو بالضرب في حال اعترضوا على عمليات الغش، وحاولوا إيقافها، لا سيما في المناطق القبلية والريفية باليمن.
فيما يرى المجتمع غياب القدوة من المعلم والإدارة المدرسية؛ بل وممارسة الفساد التعليمي في بعض المدارس من خلال بيع شهادات النقل للطلاب دون دخولهم الفصول الدراسية للدراسة أو لأداء الامتحانات، مع عدم محاسبة لهذه القيادات المدرسية.
انتشار الأسلحة والثقافة المغلوطة حول الامتحانات
لانتشار الأسلحة بشتى أنواعها وبكثافة في الآونة الأخيرة بين أفراد المجتمع اليمني، وضمنهم الطلاب، أثر كبير على عملية التعليم، وأحياناً تستخدم هذه الأسلحة بوصفها نوعاً من التهديد لممارسة الغش بالقوة، سواء من قِبل الطلاب أو مَن يساندهم بعملية الغش في أثناء الامتحانات.
وتؤكد شبكة “زدني” أن أموراً مؤسفة تحدث نتيجة استخدام هذه الأسلحة؛ فيتعرض بعض المراقبين في قاعات الامتحان للاعتداء بالسلاح الناري أو الأبيض، أو بالضرب في حال اعترضوا على عمليات الغش، وحاولوا إيقافها، لا سيما في المناطق القبلية والريفية باليمن.
وأضاف في تصريحاتٍ لشبكة “زدني”: “كنا نعرف أن عدداً من الطلاب يعتمدون في أداء امتحاناتهم على الغش في اللجان الامتحانية، لكننا اليوم نشاهد أولياء أمور يدفعون المال، ويخاطرون بسلامتهم من أجل تسريب أجوبة الامتحانات لأولادهم، وأحياناً يتم ذلك تحت التهديد وقوة السلاح، كما لفت إلى أن المراقبين يعجزون عن فعل شيء في ظل الانفلات الأمني الواسع الذي تمر به البلاد”.
ويؤكد الناشط الحقوقي أحمد فوزي أن مشاهد الغش تتكرر بصورة يومية في غالبية المراكز الامتحانية، الظروف الأمنية والفوضى في عدد من المدن أدت إلى ضعف التنسيق بين الأجهزة الأمنية ووزارة التربية والتعليم، كما أن ظاهرة الغش ليست جديدة لكنها ازدادت انتشاراً؛ بسبب الفوضى والحرب التي تمر بها البلاد وانتشار الأسلحة بين أفراد المجتمع.
ويلفت فوزي إلى أن، “ظاهرة الغش أصبحت جماعية، ولم تعد فردية كما في السابق؛ لذلك يصعب إثبات ممارسات الغش في كثير من المراكز؛ لأن هذا يعني فشل الامتحانات، وفي المقابل يجد المراقبون بقاعات الاختبارات صعوبة في ضبط سير عملية الامتحانات”.