السبت , 16 نوفمبر 2024
img-20170224-wa0015

قصاصات وأقاصيص ( 7 )

((الواقع الجديد)) الجمعة 24 فبراير 2017م/المكلا

 

يكتبها : أحمد باحمادي..

 

 

 

( 1 )

 

جاءه راكضاً يريد الدواء بسرعة .. كانت أمه العجوز مريضة ..

 

هرع إليه في الصباح الباكر .. حينما فتح أبواب الصيدلية ..

 

ناوله روشتة الدواء .. وانتظر فك طلاسمها ..

 

أعطاه الدواء .. لكنّ الحقيقة تقول : لقد أعطاه .. الداء .. !!

 

تناولته أمه .. استلقت في سريرها البالي .. كانت نومتها الأخيرة ..

 

لقد كان الدواء مزيفاً .. أفسد حياة إنسان .. أغلى إنسان .. !

 

كانت أمه تزيّن حياته ..

 

بكى بحُرقة وألم .. ” لماذا أطفأوا شمعة متوهجة .. ؟ ” تساءل ..

 

” لماذا لم يتركوها ترحل بسلام .. لماذا عجلوا بمأساتها .. ؟ ”

 

ومع انبلاج صباحٍ جديد .. وحينما أشرقت الشمس .. لم يجد من يبتسم له ..

 

كما لم يجد من يحييه .. كلما غابت ..

 

لقد غابت أمه عن الدنيا .. كانت تملك روحاً باهرة ..

 

نعم .. غيبها الدواء الفاسد .. هل عرفت جريمتك .. ؟

 

إذا ً .. تذكّر .. تذكّر .. أيها الفاسد ..

 

( 2 )

 

اغبرّ لونها على الجدار .. كما اغبرّت حقيقة الواقع ..

 

قرأ على الجدار أنت قائدنا الأوحد .. ولا قائد سواك ..

 

صفق الجميع .. زمّر .. وزمّر .. للقائد المغوار ..

 

دار الزمان دورته التي نعرفها .. تبخرت تلك القيادات .. كفص ملح ..

 

سافر بعضهم .. والبعض قد خان القضية ..

 

رافقوا الدولار .. والدينار .. وأمسى الكأس لهم رفيقاً .. وعنوان ..

 

غَنِموا .. اغتَنَوا .. فرشوا الموائد .. أنفقوا .. أسرفوا ..

 

لكنّما الفقر في أوطانهم يضرب الأطناب ..

 

لم يأبهوا للشعب .. الذي صفق .. بل عاشوا حياة اللؤم .. من زمنٍ ..

 

ما عادَ حُلُم التحرير يداعب .. أجفانهم الساهرة ..

 

أشباحهم في الأذهان ماثلة .. صورهم في الجدران حاضرة ..

 

أسماؤهم في الساحات مغبرّة .. وما زالت في كل حائط ..

 

شخوصهم غابت .. شموسهم غربت .. كما غابت ضمائرهم ..

 

ماتت مشاعرهم .. ونفوسهم الظمآى استوحشت ..

 

رغم الفنادق .. رغم ألحان الولاء ..

 

تركوا الخنادق .. وتخندقوا في نُزُل العمالة ..

 

( 3 )

 

كان الاقتصاد يلعنهم .. والناس تلعنهم .. ليلاً ونهاراً ..

 

أدخلوا حيواتهم في نفق مظلم .. ولا زالوا في الدياجير هائمين ..

 

نشروا الفقر في كل الأنحاء .. وجلسوا على كراسٍ من ذهب ..

 

جوّعوا الناس .. وفتحوا لأنفسهم أرصدة ..

 

في كل مكان .. وحيثما يوجد مصرف ..

 

فلماذا لا يلعنهم .. هذا الشعب .. ؟؟

 

سوادهم الأعظم .. صاروا لا يعون ما يحدث .. لسرعة ما يحدث .. !!

 

دمرتهم أهواء السياسة .. ظهرت مآسي من كل الأنواع .. الأحجام .. الأشكال ..

 

باتوا يرنون لأرض الصومال .. بالأمس ..  بلاد الفقر ..

 

فقد صارت أرض الميعاد ..

 

( 4 )

 

تحدّت مجتمعها .. شقت طريقها إلى العلم ..

 

هذا لم يكن اليوم .. منذ عدّة سنين مضت ..

 

كانت المرأة حينها .. سلعة مخبوءة في قعر البيوت ..

 

لا تراها حتى الشمس .. ولا ترى هي ضوء القمر ..

 

تحدّت .. أرادت أن تتعلم .. واجهت جداراً من الصمت ..

 

أصرّت .. واجهت سيلاً من التعنيف .. قيل فيها كل شيء ..

 

متمردة .. عاهرة .. نافشة .. لكنها أصرّت ..

 

قريتها كانت خالية من طبيبة .. ولا حتى طبيب ..

 

تلد النسوة .. والكثرة تتألم ثم تموت .. لم تتحمل واقعها .. فأصرّت ..

 

غادرت بلدتها إلى العاصمة .. لتبدأ حياة جديدة ..

 

من نافذة سيارتها البيضاء .. اليوم .. ها هي تبتسم ..

 

حينما ترى الباصات تتجه إلى الجامعات .. ملآى بالطالبات ..

 

كانت تحسّ بدماء الحياة تجري في كل شيء ..

 

إنها حياة الحياة .. دلائل السعادة والحبور ..

 

عندما يحيا نصف المجتمع الآخر ..

 

( 5 )

 

تواجد في الشبكة لا لشيء إلا للمتعة ..

 

كان يحسّ بالسأم .. من نفسه .. من حاله .. من مدينته .. ومن كل شيء ..

 

طغى على حياته البغيضة .. في نظره .. لون رمادي فاحم ..

 

بالرغم من أنه يحظى بكل شيء .. إلا أنه يحسّ فراغاً قاتلاً يعتريه ..

 

دخل الشبكة .. أراد المحادثة مع أيٍّ كان .. ليريح أعصابه المكدودة ..

 

وجد اسماً أجنبياً يضيء بإشارة تدل على أنه متواجد ..

 

فتح الخط .. كان يتقن اللغة الإنجليزية بشيء من الإجادة ..

 

دخل مع الأجنبي في حديث طويل ..

 

استشفّ منه متاهة الآخرين .. في الغرب .. بينما ينعم هو بالإسلام ..

 

تناقش مع الأجنبي عن عظمة الإسلام .. عن قيمه .. ثوابته ..

 

استمات في الدفاع عنه من كل شبهة ألصقت به ظلماً وعدواناً ..

 

على الرغم من تقصيره في أداء الفروض والواجبات ..

 

أحسّ بنافذة تفتح في قلبه الجريح الفارغ .. ولج شعاع أشعره بالطمأنينة ..

 

لم يكن يوماً قد جرّب هذا الإحساس اللذيذ .. ما أجمل هذه الرحة !

 

تقاطرت من عينيه الدموع .. وفي ذات الحين .. تقاطرت عن نفسه الهموم ..

 

ومنذ ذلك اليوم .. أصبح داعية إلى الإسلام .. عبر الشبكة العالمية ..

 

يدعو أولئك البشر التائهين ..

 

يدعوهم .. إلى حياة ينعمون فيها .. بعودة الروح ..

 

( 6 )

 

مرقَ بسيارته قافلاً من قريته الريفية ..

 

في طريقه .. رأى أعجازَ نخل خاوية ..

 

أبصر أرضاً يباباً .. تصفّر فيها الريح ..

 

أرضاً كانت خضراء .. فارقتها الروح ..

 

اليُبس عمّ أنحاءها .. سيطر على الأرجاء .. وساد مستأسداً ..

 

ظمأت الأرض .. ماتت من العطش .. الماء موجود .. عدا المشمّرون ..

 

نخيل مات واقفاً بكل شموخ .. كان يؤمّن الغذاء والدواء والحلوى ..

 

مات ولم يبكيه أحد .. ومَنْذَا يبكيه وأهله قد اندثروا .. غاب من يرعاه ..

 

أجدادٌ شداد .. في الأجداث ناموا .. حانقين .. يندبون هول عجزنا ..

 

أجدادهم زرعوا ليأكلوا .. ثم زرع الآباء .. لنأكل ..

 

لكننا لم نزرع .. ولم نأكل ..

 

بتنا نستجدي اللقمة من أفواه رجال .. ما عرفوا الرحمة والغفران ..

 

بتنا متسولين .. من الطراز الأول .. بل شحاتين حقيقيين ..

 

( 7 )

 

نشأ صبياً في طاعة الله .. التزم حلقات التحفيظ ..

 

حلّ في سماء العبودية .. كان شمساً باهرة ..

 

شعلة مضيئة .. تحمل النور .. تسطع في رحاب الكون الواسعة ..

 

مشعلاً قرآنياً .. يمسك بوحي السماء براحة وحبور ..

 

كان يَرِدُ حلقات التحفيظ كما يرد الظامئ منهلاً عذباً .. ماءً زلالاً .. صافياً ..

 

كبُر .. وكَبُر معه حبّ القرآن ..

 

صارت روحه الصقيلة تشرب من وحيه رحيقاً من النقاء ..

 

فكان وجهه ينير .. نوراً أبدياً يسافر في رحاب الخالدين ..

 

تلقته حلقات التحفيظ مثلما تتلقى وليداً أبصر النور ..

 

تهديه .. بعون الله .. طريقاً يفوح منه عبق الترتيل ومسك التلاوة ..

 

نشأ بعيداً عن الزيغ والضلال .. ولولاها ..

 

لتخبّط في دياجير الحياة .. المدلهمّة ..

 

( 8 )

 

كان دكتوراً .. لكنه ديكتاتور ..

 

( تبرهت ) .. تشدّق .. واستعدى الواقع ..

 

أمسى من الطلاب مبغوضاً ..

 

تسلّط على درجاتهم .. غدواتهم ,, روحاتهم .. واختباراتهم ..

 

ضايقهم .. حتى صاروا يكرهون العلم ..

 

عقّد بعضَهم .. فنفر من التعليم .. وساح في دنيا البطالة ..

 

ظلم بعضَهم .. دهراً .. فسكت خوفاً من النقمة ..

 

كانوا حلقة أضعف .. في حلقات من الجحيم ..

 

تقلّب في وهم الديكتاتورية .. وظنّ من يطلبون العلم نملاً ..

 

قالوها له : ” نحن أبناء الحضارة .. فخر الوطن ” ..

 

شاح عن إنجازهم وجهاً .. من طرف أنفه خاطبهم ..

 

أمعن في التجاهل .. والتماهي ..

0

لم يجدوا طريقاً .. إلى قلبه الخؤون .. سوى

 

أن يدقّوا في نعش ذكراه .. مسامير النسيان ..

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.