((الواقع الجديد)) الاحد 19 فبراير 2017م/المكلا
يكتبها : أحمد باحمادي..
( 1 )
صادروا رقم جواله ..
تاه عن التواصل .. وتاه أصحابه ..
استغرب تعدد أساليب النصب والتحايل ..
” أي شركات اتصال تقطع التواصل ؟ ” تساءل بحُرقة ..
اضطر لأن يرسل تعميماً للجميع ..
فضلاً .. احذفوا الرقم فهو لأحد آخر ..
صادروا رقم جواله اليوم ..
ويخاف أن يصادرونَه يوماً ..
( 2 )
اغرَوه بالمال .. كان فقيراً .. معدماً ..
أراد أن يحسّن وضع معيشته .. ويعينَ أباه ..
أخذوه لجبهات القتال .. أوهموه بالجهاد ..
قادتُهُ .. أخفوا أبناءهم .. وغادروا أرض الوطن ..
كانت المعركة طويلة .. هم ارادوها أن تطول .. وتطول ..
بعد فوات الأوان .. عرف كلَّ شيء ..
وجد أنها جبهات خيانة .. لا جبهات جهاد ..
ولّى ظهره .. بعد أن خاض متاهات الموت ..
بعد أن أقدَمَ .. وتقدّم ..
أصابت إخوانه الهزائم .. لكنّ رصاصة الغدر أصابته ..
عاد إلى أهله .. جثة هامدَة .
( 3 )
استقبل العام الدراسي بنفس توّاقة ..
كان مدرساً مستجداً ..
أنهى دراسته في الجامعة .. وبدأ مشوار العلم ..
في الحصّة الأولى .. دخل إلى الصف ..
استدار ليكتب على السبورة عنوان الدرس ..
سمع همهمات .. همسات .. ضحكات ..
” من أصدر هذه الأصوات ؟ ” سأل الطلابَ بغضب !
لم يُجِبْهُ أحد .. كرر السؤال .. أعاده ..
لم يلقَ إجابة .. وساد الصمت ..
انهارت أمام عينيه .. أماني المستقبل ..
انطفأت جذوت حماسته ..
تأفف .. تأسف .. تضجّر ..
لعن اليوم الذي أصبح فيه مدرّساً ..
( 4 )
غرّدت بلابل الفرح .. انتشت أطيار الأزاهير ..
عمّ الكونَ ألحانُ الحُبُور .. حينما حلّ موعد الزواج الجماعي ..
تعاضَدت القلوب .. بوركت الأيادي ..
أُسدل الستار على حيوات العزوبية .. وانفتح القفص المتلألئ ..
حلّق العرسان بأجنحة النور .. على صهوات أفراس بيضاء ..
عانقوا الشغف البهيَّ .. وأنى لهم ذلك ..
لولا .. أكفاً معطاءة .. وسحائب في الخير مدرارة ..
نظر الشباب بعيون الأمل الزاهر .. داعبوا بأجفانهم أحلاماً مؤتلقة ..
تمنوا أن تستحيل دوماً إلى واقع مشرق ..
انتظروا موعد الإشراق ..
( 5 )
أقبل الصيف بكلكله .. فحلّ خريف الكهرباء ..
اننسابت مدرارةً قطرات العرق .. تندى الجبين ..
انطفاءات عديدة .. عكرت صفو الحياة ..
أحالت أعصابه إلى خراب ..
على أسلاك التيار .. نعقت غربان الفساد ..
تغير وزيرٌ .. على إثرِ وزير ..
لكنْ لم يتغيّر في واقعه شيء ..
صارت لياليه حالكة .. أتّـشحت أيامه بالسواد ..
أمسى سريره كالجمر .. بلون الخَمر ..
مرّت ساعاته كسريان حممٍ بركانية .. تمشي رويداً .. رويداً ..
انتظرَ وانتظرَ .. ” لا فائدة من الانتظار ” حدثته نفسه القانطة ..
مع القيظ .. تصاعدت زفراته .. علت صراخته ..
ما زال التيار .. مقطوعاً .. وما زالت صيحة الجحيم ..
( 6 )
أضرب عن الطعام .. ضرب الأرض برجليه وقدميه .. تحكّم ..
لم يكنْ له من همٍّ إلا شراء دراجة نارية ..
بعد صبرٍ .. ثارت الأمُّ مع الابن ..
أخيراً .. خضع الأب ..
دارَ الابن مع دراجته .. بين الشوارع .. في الأزقة .. المنعطفات ..
سلك منعرجات الدروب .. طاف الأرجاء ..
وبين صرخات الشباب وتشجيعاتهم .. فحّط .. ثمّ فحّط ..
سيارة مسرعة .. تجاوزٌ خاطئ .. وقع الحادث ..
تأسف الأب .. وبحرقة .. بكت الأمّ ..
وبين الألم والبكاء .. لم يعلما أنهما ألقيا به ..
إلى فوّهة المجهـول ..
( 7 )
أمسى جباناً .. رعديداً .. خائفاً ..
تخفّى خلف الشاشات .. لبس القناع .. عدّد الوجوه ..
سبّ .. شتم .. قاء ما يشتهي ..
أخفى الحقيقة .. أحيا روحَ الانتقام ..
على مخالفيه .. لفّق الأكاذيب .. نشر المفتَرَيات ..
وعلى حين غرّة .. أضاء نورُ الشاشة قناعَه الأسود ..
تكشّفت حقيقته .. عرفه الجميع .. وبان معدنه ..
توارى عن الشبكة العنكبوتية .. بعد أن وقع في حبائلها ..
أصبح كسمكة عالقة .. تُحتضَر ..
مراراً تفتح فاها .. طلباً للماء ..
ولكن .. ليس ثمّة إلا صنّارة الهلاك ..
( 8 )
سقط الريـال .. تهاوى صرفُ العملة ..
فرح لمصائب القوم .. رقص على معاناتهم ..
تجاهل معاناة الأطفال .. في حليبهم ..
أعرض عن أنات الجوعى .. في شتاء قارس ..
أبصر أشباحاً تجمع بقايا طعامٍ .. من براميل القمامة ..
لكنّ الأمر ـ في الأخير ـ كان لا يعنيه ..
كان تاجراً جشعاً .. احتكر الغذاء .. وغالى في الأسعار ..
إنه يوم سَعده ..
بنى ثروة هائلة .. من دماءٍ وعرقٍ .. نما جبلُ الثروة ..
نام هانئ البال .. هادئ النفس .. ولم يجُل بخاطره .. يوماً ..
أن طوفاناً بدأ يتجمّع .. وثورة للجياع ..
أخذَت تتأجّجُ تحت الرماد ..
( 9 )
في عيد الحبّ .. أهداها وردةً .. حمراء ..
أرسل لها .. هدية بشريطة .. حمراء ..
ناجاها بهمس ..
أعاشها في أمنيات .. حمراء ..
وفي الأحلام .. غمرها بقبلات العشق ..
أحال حياتها .. إلى خيالات حمراء ..
صدقت المسكينة .. الجنس الآخر ..
آمنت أن قلوبهم .. حمراء ..
وخلف ستارة الحب الموهوم ..
كان ذئبٌ يقف متهيئاً ..
بعيونٍ حمراء ..