الجمعة , 15 نوفمبر 2024
img-20170205-wa0022

قصاصات وأقاصيص ( 2 )

((الواقع الجديد)) الثلاثاء 7 فبراير 2017م/المكلا

 

يكتبها : أحمد باحمادي..

 

 

 

( 1 )

 

زمجرت الريح .. وزاد صريرها ..

 

 

 

اهتزت بيوت الصفيح .. وأنّت ألواحا البالية ..

 

 

 

تطايرت أكياس القمامة .. في كل ركن وزاوية ..

 

 

 

اغبرّت وجوه الصغار .. وامتلأت وجوه الكبار بالبؤس

 

 

 

انقطعت الكهرباء .. بين ذلك .. مراراً وتكراراً ..

 

 

 

ريح تزمجر .. كهرباء تنقطع .. هكذا كانت حياتهم الثكلى ..

 

( 2 )

 

سُجنوا .. ظلماً وعدواناً..

 

 

 

قبعوا في ظلمات الزنازِن .. لا يعلمون لماذا !!

 

 

 

قُيّدت أيديهم .. كُبَّلت أرجلهم بالأغلال.

 

 

 

سأل طفل : ” أين بابا ؟ ” .. أجابته الأم بالدموع..

 

 

 

غابة موحشة .. غابت عنها الإنسانية..

 

 

 

وحشية البشر .. لم ترحم الزوجات .. الأمهات ..

 

 

 

الأطفال .. حتى العجائز ..

 

 

 

متى يُصفح عنهم .. ومتى يُبَرّأُ البريء..

 

 

 

نحن منتظرون ..!!

 

( 3 )

 

دَلَفَ إلى الدكّان .. كان جائعاً مع أخته التي اصطحبها من قريته إلى المدينة بعد أن تيتما.

 

 

 

طلب بسكويتاً من أرخص نوع .. لم يكفِ ما معه من مال.

 

 

 

البائع استغل الفرصة .. وأعطاه بسكوتاً انتهت مدّة صلاحيته منذ أمد ..

 

 

 

لم يجرؤ التاجر على رمي البضاعة المنتهية ..

 

 

 

وانتظر أحد المغفلين أو الجوعى .. وها هو قد ظفر بأحدهما.

 

 

 

في الصباح الباكر .. تجمّع الناس حول جثتين على الرصيف.

 

 

 

كان الميتان فتىً وفتاة في مقتبل العمر .. لم يُعرفا بعدُ ..

 

 

 

طويت قضيتهما .. ولم يبكيهما أحد.

 

( 4 )

 

في ركن من أركان مقهاه المفضل في البلدة .. يجلس مسترخياً ..

 

 

 

يرتشف كوباً من الشاي الأحمر.. واضعاً رجلاً على أخرى ..

 

 

 

حدّث الناس عن امتيازات الدراسة بالخارج حيث أرسل ابنه الوحيد

 

 

 

الذي يصرف عليه الآلاف والآلاف.

 

 

 

“سيعود حاملاً شهادة عليا في تخصص نادر في هذا الوطن الوضيع” قال مفتخراً.

 

 

 

الابن المبتعَثُ إلى دولة غربية تربى على المظاهر ..

 

 

 

لم يحمل يوماً هماً لدين أو أخلاق.

 

 

 

ترررررن .. ترررررن .. اتصال عاجل يحمل مفتاحاً دولياً ..

 

 

 

إنها الشرطة المركزية في بلد دراسة الابن ..

 

 

 

انبعثت قشعريرة في جسد الأب.

 

 

 

في رأس السنة الميلادية .. وفي شقة معزولة عن الأنظار..

 

 

 

تمّ ضبط مجموعة من الشبان والشابات المشبوهين في أوضاع مريبة ..

 

 

 

وحالة سكر شديد .. كانوا يتعاطون الممنوعات ..

 

 

 

الابن المبتعث كان واحداً منهم.

 

 

 

لم يَعُد الأب إلى ارتياد المقهى مجدداً .. بقي حزيناً.

 

 

 

كان المسكين يبكي على آماله العريضة ..

 

 

التي بعثرتها الريح تحت السحاب.

 

( 5 )

 

بعد الفجر مباشرة .. يمارس رياضة المشي لبضعة كيلومترات ..

 

 

مع نسيم الصباح العليل .. يشعر بانشراح الصدر ..

 

 

بالأمل المبشّر يسري في روحة الجذلى ..

 

 

وهو يحثّ الخُطا .. ترتسم ملامح المستقبل

 

 

أمام عينيه أكثر انبهاراً وضياءً.

 

 

 

فينظر إلى الحياة بمنظار جديد ..

 

 

 

ويزداد بها افتتاناً.

 

( 6 )

 

التقاه في ساعة الأصيل ..

 

 

 

بشره أنه رآه في الحُلُم لابساً نظارة.

 

 

 

كانت تفسيرات أحلامه جياشة بالمشاعر ..

 

 

 

على العكس ممن رؤي في الحلم.

 

 

 

“وماذا في الأمر ؟ .. ربما سأجري عملية في العين” قال له بيأس.

 

 

 

مرت الأيام سريعاً ..

 

 

 

حصل الشاب على عمل في مكتب حكومي.

 

 

رآه ماشياً وظلال الأشجار الخُضر تسيل على عاتقيه..

 

 

رأى شبح ابتسامة على محياه .. علم أنه قد تذكّر الحُلُم.

 

( 7 )

 

على زاوية من زوايا السوق المركزي الكبير..

 

 

جلس أمام شاشة حاسوب ..

 

 

أنهى دراسة الجامعة بعد عناء ..

 

 

لم يجد عملاً آخر سوى ( كاشير ) لمحاسبة الزبائن

 

 

في ساعة الذروة كان يبدو كرجل آلي تتحرك أذرعه بسرعة هائلة.

 

 

 

وفي غير ساعة الذروة يكون كتمثال من الشمع ليس به حياه.

 

 

يحلم بيوم يرحل فيه عن هذه الشاشة اللعينة ..

 

 

لديه بصيص أمل في أن يمارس تخصصه الذي طالما أحبه ..

 

 

 

لكنّ الأحلام تأبى أن تتحقق ..

 

 

أوشك أن ينسى كل ما تعلمه خلال أربعة أعوام

 

 

فاجأه صوت غاضب ” هيييه فيمَ تفكر ؟ ”

 

 

صحا من أحلامه أمام كومة من أكياس زبون

 

 

على عجلة من أمره.

 

( 8 )

 

صفّقَ له الجمهور بقوة وحرارة .. حتى احمرّت الأيدي ووجنتاه ..

 

 

كان فارس السهرات و ( المخادر ) الذي لايُشقّ له غبار.

 

 

أغلى ( فنان ) وأبهظهم تكلفة ..

 

 

لا يُحضره في الأفراح إلا أصحاب الملايين.

 

 

انهالت عليه طلبات المقابلات في الفضائيات والإذاعات.

 

 

ملأت صوره المضيئة أغلفة الصحف والمجلات

 

 

وأشرطة الكاسيت وأقراص الحواسيب.

 

 

دارت السنون .. وناله المرض والكِبَر ..

 

 

نال أيضاً من حنجرته الذهبية.

 

 

اسمتع الجمهور إلى صوته الكليل ..

 

 

كما يستمعون لنهيق الحمار ..

 

 

عرف نفسه .. وعلم أن زمانه قد ولّى بلا رجعة ..

 

 

اعتزل الفن .. واعتكف في بيته الصغير ..

 

 

بعد حين .. أُرسلت المناشدات للدولة بإنقاذ الفنان ..

 

 

كان يعاني وعكة صحية حرجة ..

 

 

وبحاجة ماسة للسفر للخارج للعلاج.

 

 

لم يهتمّ به أحد .. كما أن الدولة لم تقدم له أية مساعدة.

 

 

من دون أن يودعه الكثير من جمهوره .. أو يعلم به معجبوه ..

 

 

حزم حقيبته ورحل .. إلى عالم الأموات.

 

( 9 )

 

ناظراً يمنة ويسرة .. سال لعابه لرؤية المال ..

 

 

أخذه من العميل بفرحة غامرة ..

 

 

رست المناقصة عليهم بعد الاتفاق معه على كل شيء.

 

 

قبض الثمن .. كان نصف مليونٍ ..

 

 

أثناء ما كان يعدّ المبلغ فاجأه اتصال من زوجته ..

 

 

طفله أصيب بحادث

 

 

حينما كان يقطع الطريق من المدرسة إلى البيت

 

 

كانت صدمة الرأس قد أنتجت نزيفاً دموياً داخلياً حاداً

 

 

تأثرت خلايا المخ .. وبات السفر ملحاً ..

 

 

ناء بأعباء السفر والعلاج والأدوية والعمليات الجراحية ..

 

 

أوشك على الإفلاس .. بل أفلس حقيقة

 

 

تطايرت مدخراته بما فيها النصف مليون.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.