((الواقع الجديد)) الاربعاء 25 يناير 2017م/المكلا
هل خطر ببالك أن هناك أمراضاً خفية تصيب الإنسان مرافقة لأمراض أخرى ظاهرة، وغالباً ما تكون تلك الأمراض المتخفية هي الأخطر، وتبرز للعيان بعد مدة قد تطول أو تقصر؟
اكتشف الأطباء حديثاً أن ظاهرة ترافق بعض الأمراض الخفية مع أخرى واضحة، ظاهرة حقيقية، وأثبتوا وجودها بالدراسات الإحصائية الموثقة.. حتى إنهم اخترعوا اسماً للمرض الثاني المتخفي، فسموه “مرض الظل” shadow disease!
والسبب وراء ذلك ليس واحدا.. فقد تكون العلة الأساسية مشتركة بين المرضين، أو قد يمهد المرض الأول لظهور الآخر، أو تكون هناك تبدلات جينية (وراثية) متبادلة بين الآفتين.
ومهما يكن من أمر، فمن الفائدة بمكان أن نتعرف على ما هو ثابت عن ظاهرة “أمراض الظل” هذه، كي نتخذ كل الاحتياطات للوقاية من وقوعها فيما إذا ابتلينا بالمرض الأصلي.
ونعرض فيما يلي أهم أمراض الظل التي وثّقها الأدب الطبي:
1- ارتفاع ضغط الدم (مرض الظل: السكري)
لطالما لاحظ الأطباء أن هناك علاقة بين مرضي ارتفاع الضغط وداء السكري (خاصة لدى البدينين) منذ عقود، لكن دراسة أجريت على مدى 10 سنوات بأحد مستشفيات جامعة هارفارد شملت 38000 سيدة في منتصف العمر، أثبتت بما يقطع الشك أن الإصابة بارتفاع الضغط تضاعف خطر الإصابة بداء السكري (وبغض النظر عن الوزن).
كما بينت الدراسة أن احتمال الإصابة بالسكري يرتفع مع ارتفاع درجة الضغط.
ويعتقد أن سبب علاقة المرضين هو أن لهما علة مشتركة، هي ارتفاع ظاهرة الالتهاب في الجسم واعتلال بطانة الأوعية الناتج عنه، بما يسمح لخلايا الالتهاب بالتسلل إلى خارج الأوعية مسببة أضرارا بالنسج المحيطة بها.
* كيف تقي نفسك؟
إذا كنت مصابا بارتفاع الضغط (أو مؤهلا للإصابة به) فأجر اختبارا لسكر الدم بشكل دوري، وإذا تبينت إصابتك بالسكري (أو بحالة ما قبل السكري) فالجأ لمعالجته دون تأخر.
وبإمكانك تلافي الوقوع بحبائل داء السكري ومضاعفاته بإحداث تغييرات جذرية على نمط حياتك: زيادة النشاط الجسدي، وخسارة الوزن الزائد، والإقلاع عن التدخين، وانتخاب الأغذية الصحية المناسبة لهذا المرض.
2- الصداع النصفي أو الشقيقة (مرض الظل: السكتة الدماغية أو النوبة القلبية)
ترتفع احتمالات الإصابة بالنوبة القلبية أو السكتة الدماغية مع تقدم درجة إصابتك بالشقيقة (خاصة إذا كانت النوبات تسبقها ما يسمى الأورة aura، وهي ظاهرة حسية تنذر بقدوم نوبة الصداع)، فإذا كنت تعاني من أقل من نوبة شقيقة واحدة في كل شهر، كانت احتمالات إصابتك بنوبة قلبية 50 % أعلى ممن لا يعانون من الشقيقة، أما إذا ارتفع تكرر النوبات إلى مرة في الأسبوع على الأقل، فتزداد عندها احتمالات إصابتك بالسكتة الدماغية إلى 3 أضعاف احتمالات غير المصابين بالشقيقة، وذلك حسب دراسة إحصائية أجريت في جامعة هارفارد.
ويعتقد أن سبب ارتباط المرضين يعود إلى أن المصابين بالشقيقة لديهم اعتلال في الأوعية الدموية بكل أنحاء الجسم، ما يجعلهم عرضة للسكتة الدماغية أو النوبة القلبية.
* كيف تقي نفسك؟
إذا كنت مصابا بالشقيقة، فاسع إلى إقصاء كل العوامل المؤهبة لتصلب الشرايين، ما يعني الانقطاع النهائي عن التدخين، وتخفيف الوزن إلى الحدود الطبيعية، ومعالجة ارتفاع الكولسترول، والالتزام بالحمية القلبية، وإجراء التمارين الرياضية
المنتظمة.
3- انتباذ البطانة الرحمية “اندوميتريوس” (مرض الظل: سرطان الجلد)
أثبتت دراسة فرنسية واسعة دامت 12 سنة ونشرت من تسع سنوات أن النساء المصابات بانتباذ البطانة الرحمية (نمو أنسجة شبيهة ببطانة الرحم في الحوض خارج الرحم)، معرضات للإصابة بسرطان الجلد الميلاني melanoma بنسبة 62 % أعلى من المعدل الطبيعي، ومع أن العلاقة بين المرضين ما يزال سببها مجهولا، إلا أن العلماء يعتقدون أن هناك علة جينية (وراثية) مشتركة وراء كلا الآفتين.
وقد وجد الباحثون في نفس الدراسة أن هناك علاقة أيضا بين الأورام الليفية بالرحم ونشوء سرطان الجلد الميلاني.
* كيف تقي نفسك؟
ينصح الخبراء بتحويل كل المصابات بانتباذ البطانة الرحمية إلى مختص بالأمراض الجلدية للكشف عن وجود سرطان الجلد، كما ينصحون المصابات بمراقبة حجم وأشكال الشامات والأخوال المتواجدة على جلودهن بصورة منتظمة، وفي حال الشك، تجرى خزعة جلدية للتأكد.
ولا داعي للجزع، لأن نسبة شفاء هذا السرطان الجلدي إذا اكتشف باكرا تقرب من 100%.
4- داء الصدفية psoriasis (مرض الظل: النوبة القلبية)
وجد الباحثون في جامعة بنسيلفانيا بعد دراسة إحصائية شملت نصف مليون شخص ودامت أكثر من خمس سنوات، أن فرص الإصابة بنوبة قلبية تزداد عن المعدل للذين يشكون من هذا المرض الجلدي، وأن هذه الفرص تصبح ضعف المعدل إذا كانت الإصابة الجلدية شديدة.
كما تبين للباحثين أن العلاقة بين المرضين هي أكثر وضوحا في الشباب المصابين بالصدفية منها في الكهول. ويعتقد أن اختلال الجهاز المناعي الذي يؤدي إلى الصدفية بالأساس، هو نفسه الذي يؤهب لالتهاب شرايين القلب الذي تنتج عنه نوبة القلب.
* كيف تقي نفسك؟
الخط الأول هو معالجة الصدفية والحد من تطورها، وقد توصل الخبراء إلى تطوير أدوية جديدة ناجعة في هذا الصدد، مثل عقار أميفيف Amevive الذي يصنع من أصول حية (كما هي الحال في اللقاحات).
هذه الأدوية غالبا ما تنجح في كبح المرض إذا لم تثمر في علاجه العقاقير الكلاسيكية.
ثم، ومرة أخرى، لا بد من إبقاء القلب في أفضل وضع صحي ممكن بتوقيف التدخين، وتخفيف الوزن إلى الحدود الطبيعية، والحمية القلبية، والتمارين الرياضية.
5- المتلازمة الأيضية metabolic syndrome (مرض الظل: الحصيات الكلوية)
المتلازمة الأيضية مرض خطير مكون من مجموعة أعراض وعلامات: تراكم الدهون في منطقة البطن، وارتفاع الشحوم الثلاثية في الدم، وانخفاض الكولسترول الجيد HDL، وارتفاع ضغط الدم، واعتلال تحمل السكر.
وكثيراً ما تؤدي هذه المتلازمة للإصابة بالآفات القلبية الإكليلية وداء السكري، كما أنها ترتبط بالوفاة الباكرة.
وكشفت الأبحاث الحديثة أن هذه المتلازمة تؤهب للإصابة بالحصيات الكلوية، ففي إحدى الدراسات تبين أنك إن كنت مصابا بعلتين من علاتها، فأنت معرض لتشكل الحصيات بنسبة 54 %، وإن كنت مصابا بثلاث، فأنت معرض للحصيات بنسبة 70 %.
ويعزو الأطباء سبب ارتباط الآفتين إلى أن البدينين كثيرا ما يتناولون كميات كبيرة من البروتين والصوديوم (الملح)، ما يدعو إلى تشكل الحصيات المؤلمة في الكليتين.
* كيف تقي نفسك ؟
إن كنت مصابا ببعض علات المتلازمة الأيضية، فما عليك إلا أن تخفف وزنك وتنقص الشحوم في وسط جسمك، وتعالج العلات الأخرى بكل جدية.
6- الربو التحسسي (مرض الظل: القلق المزمن والاكتئاب)
لقد بقي موضوع ارتباط الربو بالعلات النفسية موضع جدل بين الأطباء مدى عشرين عاما، لكن دراسات حديثة من جامعة كولومبيا طبقت على الجنود العائدين من ساحات القتال، أظهرت بما يقطع الشك وجود ترابط بين العلتين، فالجنود الذين يشكون حتى من درجات خفيفة من الربو التحسسي كانوا عرضة للإصابة بالقلق المزمن أو الاكتئاب بنسبة الضعف، مقارنة مع الذين لا يشكون علة تنفسية.
ومن الطبيعي أن يؤدي ضيق التنفس للتوتر النفسي، كما تؤدي الاضطرابات النفسية -بالمقابل- لزيادة أعراض الربو سوءا.
* كيف تقي نفسك؟
إذا كنت تشكو من علة تنفسية مزمنة، فخذ احتمال إصابتك باضطراب نفسي بمحمل الجد، واعرض نفسك على طبيب نفسي، حتى لا تصبح ضحية الوقوع في حلقة مفرغة تغذي فيها كل من العلتين الأخرى.