((الواقع الجديد)) الجمعة 21 يناير 2017 / رويترز (متابعات)
مقال لبيتر بيرغن، محلل شؤون الأمن القومي في شبكة CNN ومؤلف كتاب “الولايات المتحدة الجهادية: التحقيق في الإرهاب المحلي بأمريكا.” المقال يعبر عن رأي كاتبه، ولا يعكس بالضرورة رأي الشبكة
في أيامه الأخيرة أثناء اختبائه في مجمع في باكستان، كان أسامة بن لادن لا يزال يحاول السيطرة على مؤسسته الإرهابية العالمية، إلى جانب اهتمامه البالغ برفاهية أطفاله الذين يُعتقد أن عددهم يبلغ 12 طفلاً من خمس زوجات.
إنه وجه آخر لزعيم تنظيم القاعدة الذي كُشف عنه في 49 وثيقة نُشرت الخميس. المواد الجديدة، التي تضم عدة مئات من الصفحات، هي المجموعة الرابعة من وثائق بن لادن التي نشرتها الحكومة الأمريكية منذ عام 2012. صُودرت من مخبأ بن لادن في أبوت آباد خلال الغارة التي شنتها قوات البحرية الأميركية وأسفرت عن مقتله منذ خمس سنوات مضت.
ورُفعت السرية عن الوثائق المنشورة حديثاً قبل يوم من انتقال السلطة من إدارة أوباما لإدارة ترامب.
في رسالة من بن لادن بتاريخ 7 يناير/ كانون الثاني عام 2011 – قبل خمسة أشهر فقط من مقتله في غارة قوات البحرية الأمريكية – كتب زعيم تنظيم القاعدة لابنيه عثمان ومحمد، قائلاً إنه “مشتاق” لرؤيتهما، ولكنه أعرب عن أسفه، قائلاً: “الوضع الأمني لا يسمح لنا في هذا الوقت بأن نكون معاً.”
كان عثمان ومحمد، كلاهما في العشرينيات من العمر، يعيشان تحت نوع من الإقامة الجبرية في إيران لسنوات عديدة، وسُمح لهما مؤخراً بالتحرك بحرية من قبل النظام الإيراني. في مذكرة لأبنائه، قدم بن لادن لهم تعليمات مفصلة للقاء شخص عاش في مدينة بيشاور الباكستانية يمكن به أن يساعدهما في حياتهما كهاربيّن من السلطات.
وقال بن لادن – الذي تملكته جنون الشك والاضطهاد إثر قضائه العديد من السنوات هارباً من السلطات – لابنيه أنه كان يشعر بالقلق من أن الإيرانيين حقنوهما بـ”شريحة صغيرة” ليست أكبر من “بذرة قمح” تسمح لهم بتتبع أماكن وجودهما.
ويُناقش وضع ابن آخر لبن لادن، حمزة، في رسالة غير مؤرخة. في تلك الرسالة، يقول عضو في القاعدة إنه لا يمكن نقل حمزة من موقعه الحالي في المناطق القبلية الباكستانية على الحدود مع أفغانستان للانضمام إلى والده في أبوت آباد في شمال باكستان لأن الرحلة كانت خطرة جداً.
وبعث بن لادن برسالة إلى حمزة تأمره بمغادرة المناطق القبلية والانتقال إلى المدن الضخمة في كراتشي على الساحل الجنوبي لباكستان. وقال لحمزة أن يقوم بالرحلة في “يوم غائم”، ويفترض أن ذلك كان بهدف تفادي رصده من قبل الطائرات دون طيار التابعة لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية (CIA) التي كانت تحلق فوق المناطق القبلية في باكستان في محاولة لتحديد مواقع أعضاء في تنظيم القاعدة.
وعندما داهم أعضاء البحرية الأمريكية مجمع بن لادن في أبوت آباد، كانوا يتوقعون وجود حمزة، لكنه لم يكن هناك. ومنذ ذلك الحين، لعب حمزة، البالغ من العمر 28 عاماً، دور البطولة في عدد من مقاطع الفيديو الدعائية لتنظيم القاعدة، وصنفته وزارة الخارجية الأمريكية رسمياً هذا الشهر إرهابياً.
مذكرة غير مؤرخة من إحدى بنات بن لادن، خديجة، هي اكتشاف نادر لأنها واحدة من عدد قليل من الخطابات من إحدى بناته التي يُكشف عنها للجمهور. وقالت خديجة، التي كانت فارّة من السلطات في مكان ما في منطقة يغيب عنها القانون على الحدود بين أفغانستان وباكستان، لوالديها إنها عانت من عدد من المشاكل الصحية بما في ذلك الملاريا والتيفوئيد وكذلك الإجهاض. وفي رسالة أخرى، كتبت خديجة أنه لم يكن هناك كهرباء حيث كانت تعيش وكانت نادراً ما تتمكن من استخدام جهاز الكمبيوتر الخاص بها نتيجة لذلك.
ظل بن لادن على اتصال مع الجماعات الإرهابية في جميع أنحاء العالم
في حين كان بن لادن منشغلاً بشؤون أبنائه، كتب في مذكرات أخرى إلى قادة تنظيم القاعدة والجماعات التابعة لها، مصوراً نفسه على أنه الزعيم الذي يحدد سياسة الحركة الجهادية العالمية.
ورغم عزلته في مجمع أبوت آباد – حيث لم يكن لديه خدمة الهاتف أو الإنترنت لأسباب أمنية – أظهرت وثائق نُشرت حديثاً أن بن لادن وكبار مساعديه تمكنوا من البقاء على اتصال مع مجموعة من الجماعات التابعة لتنظيم القاعدة والجماعات الجهادية الأخرى في نيجيريا وشمال أفريقيا وباكستان واليمن.
نُقلت الرسائل إلى هذه الجماعات على “فلاشات USB” عن طريق ساعي بريد بن لادن، ثم تم تحميلها على شبكة الإنترنت بعيدا عن مخبأه في أبوت أباد.
في صيف عام 2007، تلقى بن لادن تقريراً مفصلاً من فرع تنظيمه في شمال أفريقيا، “تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي”، يُفصّل تدفقاته النقدية وقضايا عناصره. وطلب تقرير من بن لادن إرسال المزيد من المدربين الخبراء من مناطق الحرب في العراق وأفغانستان لتدريب مقاتلي “القاعدة في المغرب الإسلامي”، وإرسال صواريخ أرض-جو.
وفي خطاب من قيادي بالقاعدة إلى “القاعدة في المغرب الإسلامي” بعد ثلاث سنوات حول “مسألة سرية للغاية”، نصح “الإخوة” في الجماعة من غير المتزوجين بـ”الاستمناء” لتخفيف التوتر الجنسي.
واقترح ذات الرسالة الإفراج عن الرهائن الإناث الفرنسيين الذين احتجزتهم “القاعدة في المغرب الإسلامي” مقابل فدية “5 ملايين يورو” أو ما يعادل 7 ملايين دولار. وأشارت الرسالة إلى إبقاء الرهائن الذكور المحتجزين من قبل التنظيم واستخدامهم في مقاطع فيديو دعائة تصدرها أذرع التنظيم الإعلامية “كل شهرين أو ثلاثة”.
وفي مذكرة غير مؤرخة مؤلفة من 26 صفحة، موجهة إلى زعيم فرع التنظيم في اليمن، أوضح بن لادن أن على أفرع تنظيم القاعدة النائية الاستمرار في التركيز على الهدف الرئيسي وهو مهاجمة الولايات المتحدة، التي وصفها بن لادن بـ”رئيسة قوات الكفار”.
وحذر بن لادن أتباعه في اليمن بأنه في حين كانت اليمن في أفضل وضع لتصبح “الدولة الإسلامية”، إلا أن تنظيم القاعدة ببساطة ليست لديه القدرة على إدارة دولة حقيقية. (هذه النصيحة تمثل اختلافاً صارخاً مما قرر تنظيم “داعش” القيام به في عام 2014 عندما أعلن نفسه “خلافة الدولة الإسلامية” التي تسيطر على عدد كبير من الأتباع ومساحات كبيرة من الأراضي في مختلف أنحاء العراق وسوريا).
وقدم تقرير من نيجيريا في عام 2009 لقادة تنظيم القاعدة تفاصيلاً حول الجماعة التي كانت غير معروفة آنذاك، “يوكو حرام”، والتي اشتهرت بخطف مئات الفتيات النيجيريات وأعلنت ولاءها لـ”داعش”.
ومذكرة في العام نفسه من قبل بن لادن رسمت صورة سيئة للغاية عن النظام الشيعي في إيران.في العلن، كان زعيم تنظيم القاعدة حريصاً على تجنب انتقاد الإيرانيين – الذين كانوا يحتجزون العديد من أفراد أسرته وعناصر التنظيم في إيران، حيث كانوا قد فروا في أعقاب سقوط نظام طالبان في أفغانستان المجاورة – ولكن في السر، نظر بن لادن إلى النظام الشيعي بازدراء كبير، وكتب أنهم يكنون “الكراهية لأسرة الإسلام”.
كما يوجد مذكرة غير مؤرخة قد تكون من بن لادن، تدعو إلى قتل الصحفيين والكتاب وتحتفل بقتل مصور “BBC” في المملكة العربية السعودية، والذي يبدو أنه في إشارة إلى سيمون كامبرز، الذي قُتل في عام 2004 في هجوم إرهابي في الرياض، هجوم استهدف أيضاَ مراسل “BBC”، فرانك غاردنر، الذي نجا ولكنه الآن مشلول جزئياً ويستخدم كرسياً متحركاً.
بيروقراطية الإرهاب
مثل أي تنظيم البيروقراطي، تُظهر المذكرات المنشورة حديثاً أن تنظيم القاعدة كان لديه مجموعة من المبادئ التوجيهية التي عُممت داخلياً. إذ حددت مذكرة غير مؤرخة لـ”المسؤولين” 22 من أفضل الممارسات التي شملت تركيب “صناديق الشكاوى” في دور الضيافة لتنظيم القاعدة، وتكليف “لجنة الرقابة” للتعامل مع أي شكاوى.
وكان هناك أيضاً دفتر حسابات غير مؤرخ للعائدات الشهرية بلغت تقريباً 50 ألف دولار، أنفقها أعضاء التنظيم على وقود الديزل، والغذاء، وهدايا الزفاف للأعضاء وكذلك تكاليف “نقل” القادة.
نُشر ما مجموعه 282 وثيقة من مجمع بن لادن خلال السنوات الخمس الماضية، فضلاً عن 266 ملفاً آخراً، مثل الدراسات الفكرية ووثائق الحكومة الأمريكية التي أبقاها بن لادن في مكتبة له في المجمع ببلدة أبوت آباد.
ووفقاً لمسؤولين أمريكيين مطلعين على الوثائق، لم يُنشر ما يصل إلى 200 وثيقة لزعيم تنظيم القاعدة علناً بعد، إذ يُعتقد أن لها بعض القيمة الاستخباراتية.
وأفادت تقارير سابقة عن وثائق بن لادن بأن هناك أكثر بكثير. إذ وفقاً لمسؤولين أمريكيين مطلعين عليها، كان بن لادن محرراً دقيقاً، كان في بعض الأحيان يراجع الوثائق التي يكتبها 50 مرة. كما كان يهوى متابعة الأخبار، إذ احتفظ بعشرات الآلاف من الصفحات المصورة من المواد الإعلامية التي جُلبت له على “فلاشات USB” وكان يحملها على كمبيوتره الشخصي.
وأدت تلك المراجعات المتعددة والأعداد الكبيرة من المواد الإعلامية لخلق التباس حول حجم عدد الوثائق التي جُمعت في أبوت أباد.
الأمر الآن متروك لإدارة ترامب لتقرر ما إذا كان ينبغي الإفراج عن وثائق بن لادن المتبقية.